كتاب " مقاصد الشريعة عند الشاطبي وتأصيل الأخلاق في الفكر العربي الإسلامي " ، تأليف نورة بوحناش ، والذي صدر عن
قراءة كتاب مقاصد الشريعة عند الشاطبي وتأصيل الأخلاق في الفكر العربي الإسلامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
مقاصد الشريعة عند الشاطبي وتأصيل الأخلاق في الفكر العربي الإسلامي
الصفحة رقم: 8
تجد دعوى مقاصد الشريعة عند الشاطبـي وتأصيل الأخلاق في الفكر العربـي الإسلامي حضورها المشروع داخل زمنية عربية إسلامية معاصرة تتميز بمواجهة ثقافية وموازنة بين اختيارات تعود إلى زمنية غربية من حداثة وعولمة وما جرته مثل هذه الموازنة على الممارسة الإسلامية من نعوت قدحية، في هذا المقام تجد دعوى تأصيل الأخلاق مصداقيتها في الإبانة عن الجذوة الصحيحة للممارسة الإسلامية ثم تعمل على انتزاع من لدن المقاصد فلسفة للأخلاق الإسلامية وتتعمق في هذه الممارسة المميزة بالتصور المكرمي الذي يحيل إلى أرقى الفضائل.
تجد نظرية الصلاح المؤسسة على نسقية معرفية يرجحها العقل المعتبر الذي يبنى عقلانية قاصدة إلى مكارم الأخلاق جدواها في عصر الحداثة وعصر العولمة وهو عصر الزمنية المقتضبة المميز بفضاء مؤسس على عقلانية قاصرة تجلب العدمية وفناء المعنى وموت القانون المرجح لكل أخلاقية، إذ أن الزمنية العدمية تؤسس ذاتها بوصفها زمنية عالمية جديرة بالإنسان المعاصر، كما تنظر إلى هذا الإنسان بوصفه نقطة للتحولات والمتغيرات تؤول إلى أنطولوجيا قلقة وتميز العلم بوسم العقيدة وتصد العقل عن تدبر كل عقلانية لتجعل الحق كل الحق في عقلانية قاصرة مثبتة لفناء المرجعية ومصداقية الأخلاقية ولذلك تحضر المقاصد بما أنها الحكم والمعاني المرجحة للروحانية والأخلاقية في قلب هذه الزمنية والمؤسسة لأفق الزمنية العالمية التي تقحم فيها الزمنية العربية والإسلامية المعاصرة إقحاما إنه الحضور الذي يريد تأسيس سبيل فلسفة أخلاقية داخل الفكر العربـي المعاصر نظرا للخصوبة المنهجية والمعرفية التي تميز حقل المقاصد كما تمكن لإنسانية متميزة عن إنسانية العدمية تأسيسا لفلسفة الإنسان الأخلاقي إذ العدمية باختياراتها المقتضبة قامت بترجيح إنسانية بهيمية تمكن منها التيه في عالم فناء المعنى وموت المرجعية، وهنا تعتني دعوى مقاصد الشريعة عند الشاطبـي، وتأصيل الأخلاق في الفكر العربـي الإسلامي بالإجابة عن سؤال الأخلاق وحضور المقاصد عند الشاطبـي في عصر الحداثة والعولمة خاصة أنه عصر تميز بالفكر القدحي للمرجعية الإسلامية؟.
ربما كان حديث الغاية من الدعوى موضوع التناول في هذا البحث قد وجدت لها إرهاصات فيما تم ذكره سابقا وهي إرهاصات إذا ما تم تلخيصها فهي تعتني بإبراز كيف حضور الممارسة الإسلامية في زمان العولمة وهو زمان الهجمة والقدح في هذه الممارسة، وفك التأويلات الخاطئة عن هذه الممارسة وقد تميز عصر العولمة بتكثير مثل هذه التأويلات وستحدد الدعوى المحققة في هذا البحث غرضيتها العلمية في مسألتين أساسيتين:
الأولى تتمثل في مسألة مركزية وهي الإحاطة الجادة بالفكر الأخلاقي العربـي الإسلامي وإعادة تأسيسه تأسيسا يستوفي التاريخية ذلك أن كل التقريرات الغربية وكذلك العربية بشأن هذا الفكر تعين خلو ساحة الفكر العربـي الإسلامي من إجابة عن سؤال الأخلاق، وهو سؤال ترد الإجابة عنه إلى العلوم الدخيلة اليونانية منها خاصة، ومثل هذه الإثباتات لها نتائجها الخطيرة بما يخص أفق الحضارة العربية الإسلامية لأنها عندئذ تمتاز بعدم الجدارة الحضارية، ولذلك تعمل دعوى التأصيل بمنطق مخالف يطمح إلى وضع سؤال الأخلاق في الفكر العربـي الإسلامي في إطاره السليم قديما لمد الفكر العربـي المعاصر بخصوبة قد تذكي لديه دراسات أخلاقية عربية معاصرة تميز زمنيته الخاصة.
الثانية إذ يُجمع كل تفسير لأسباب جمود العقل العربـي الإسلامي المعاصر على أن من بين هذه الأسباب هي طبيعة عمل العقل الذي تميز بالتقليد وكذلك غلق باب الاجتهاد وعسر تناول العقل للنص تجديدا لمراميه واستفاء لغرضيته بالنسبة للزمان المعاصر وهو الذي حذى بأكثر المفسرين لأسباب الجمود للجزم بريادة السلف وعجز الخلف التام عن تنظيم مصنفات في الاجتهاد تقوم مقام الرسالة للشافعي أو المستصفى للغزالي والموافقات للشاطبـي، وهنا تكون من بين الأغراض التي ترمي إلى تحقيقها دعوى مقاصد الشريعة عند الشاطبـي وتأصيل الأخلاق في الفكر العربـي الإسلامي هو التنبيه إلى علاقة الدراسات الإنسانية والأخلاقية بمسار الاجتهاد ما دام حقل التأصيل ينـزع في نهاية عمله إلى تأسيس سلوكية الإنسان وهي سلوكية أساسها النص، ولا ريب أن مثل هذا التوجه الجامع بين أصول الفقه والدراسات الإنسانية والأخلاقية سيكشف في البدء عن حجم الأزمة التي وقع فيها الاجتهاد في الفكر الإسلامي المعاصر وهو عجز عن الإحاطة بالإنسان داخل الزمنية الإسلامية المعاصرة بمحاذاة الزمنية الغربية التي هي زمنية ضاغطة من جهة ثم أنه في الأخير يقوم ببناء منفذ لتجديد وتطور الإنسان من جهة أخرى.
تعمد دعوى مقاصد الشريعة عند الشاطبـي وتأصيل الأخلاق في الفكر العربـي الإسلامي إلى تجاوز الشرح السطحي والنقل المباشر للنصوص لتنـزلق إلى العمق حيث مكنت لنفسها بقراءة وتأويل مقاصد الشريعة عند الشاطبـي لتتجاوز دلالة النص السطحية وتكشف عن تراتب الدلالات وهو كشف لا يعني إعدام دلالة النص الأصلية إنما هي كشف لثراء نص الشاطبـي وإبراز لخصوبته وتحويله إلى غاياته الصحيحة وهي غايات لن تنكشف للباحث إلا عندما يفك عقد التراكب النسقي الذي تخضع له إشكالات النص مدار البحث واعتبارا لتجاوز النسخ والعرض والتفسير والنقل فإن المنهجية التي تمكن من إجلاء أغراض دعوى تأصيل الأخلاق في الفكر العربـي الإسلامي تميزت بالحفر وراء الدلالات وعقد العلاقات بين هذه الدلالات حسب أوجهها المختلفة معتمدة على التحليل والمقارنة والمنهجية التاريخية وتبدو هذه المنهجية جملة من الأفعال المنطقية التي تتمازج فيما بينها خدمة للموضوع الإشكالي الأصلي في هذا البحث.
لما كان التأصيل هو الفرضية التي انتقلت بالبحث من مجرد التصور إلى إطار التحقق فإن التوجه الإشكالي لهذا التصور قد اعتمد معطى الشمولية الذي جلب ضرورة لقاء روافد فكرية متعددة المشارب واستجلب ضرورة تلاقح مادة مصدرية مسحت طاولة تاريخ الفكر الأخلاقي منذ اليونان إلى حد الفكر المعاصر.