كتاب " البراعة في تأسيس المشاريع الريادية و إدارتها " ، تأليف نورم برودسكي و بو بيرلينغهام ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب البراعة في تأسيس المشاريع الريادية و إدارتها
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
يوم المرموط
(Groundhog day)
(3)
من الواضح أنْ ليس من المفيد أَنْ تكون قادرًا على الصمود والنهوض إنْ لم تتعلَّم من أخطائك. وهذا يُعدُّ تحدِّيًا كبيرًا عند بعض الناس. إنَّ هؤلاء الناس يُعانون ممَّا أدعوه ’’مُتلازمة يوم المرموط‘‘. لهذه المتلازمة علاقةٌ بالسقوط في أنْماطٍ سلوكيَّة مدمِّرةٍ للنَّفس رُغم أنَّك تنتهي في كل حالةٍ من الحالات المتكرِّرة إلى تلقِّي ضَرباتٍ على رأسك- مِثْل الشخصيَّة التي أدَّاها بيل مُراي (Bill Murray) في فلم ’’يوم المرموط‘‘.
مثلًا، أعرفُ شخصًا أسَّس عملًا لبيع الملابس، فراح يسحبُ مبالغَ ضخمةً من المال لبِناء قصرٍ له ولزَوجته. وعندما بدأ يواجِهُ مشكلاتٍ في أعماله اكتشف أنَّه لم يَعُدْ يملك المواردَ الماليَّة اللازمة لتَحَمُّل هذه المشكلات. وفي النهاية خسرَ قَصرَه وأعماله. ماذا فعلَ بعد ذلك؟ ذهبَ وأسَّس عملًا آخرَ لبيع الملابس، وسار بها نحو النجاح. غير أَنَّه سرعانَ ما عادَ يسحبُ الأموالَ مرَّةً أخرى، فبنى قصرًا آخرَ ثُمَّ واجهَ مشكلاتٍ وخسر القصر والعمل ثانيةً. تجرِبتان مُتتابِعَتان.
إنَّ حالاتٍ مثلَ هذه ليست خارجةً عن المألوف كما قد تعتقد. إنِّي أعرفُ شخصًا آخر دَأبَ في شراء شركاتٍ والحصول على مبالغ ضخمةٍ من مستثمرين لتَشغيلها، ثُمَّ يبدأ يُعطي نفسَه رواتبَ خياليَّة وامتيازاتٍ إضافيَّةً ضخمة تُفقِدُ الشركةَ أيَّة فرصةٍ للنجاح. لقد كان يؤمِنُ بأنَّه يستحقُّ كلَّ دولارٍ يقبضه، إلَّا أنَّه كان دائمًا ينتهي من حيث بدأ: الانكسار. لقد فعلَ هذا خمسَ مرَّاتٍ.
انظر إلى صديقي رالف (Ralph)، وهذا ليس اسمه الحقيقيّ. إنَّ انهيارَه المتكرِّر كان دائمًا يعودُ إلى شَغَفه بالاستحواذ على شركات. إنَّه بارعٌ جدًّا في تأسيس الشركات وفي الوصول بها إلى بَرِّ الأمان، لكنَّه بعدَ ذلك يبدأ في الاستحواذ عليها كالمجنون بحثًا عن مزيدٍ من الفُرص التجاريَّة. وهو مُستعدٌّ لفِعْل أيِّ شيء في سبيل الحصول على القروض التي يحتاجُ إليها- حتَّى لو اضطرَّ إلى التَّلاعب بِبَياناته الماليَّة. لا أقولُ إنَّه يرغبُ في خِداع أيِّ طَرَف، وإنَّما ذلك لأنَّه يُكَرِّسُ نَفسَه للنموِّ في أعماله إلى درجةٍ تُعميه عن حقيقة احتمال أن تسيرَ الأمورُ في الاتِّجاه الخطأ. وممَّا لا شكَّ فيه أنَّه عندما تبالغُ في الضغط في إنجاز العمل، فإنَّ أخطاءً كثيرةً تقع. وسرعان ما كان رالف يجد نفسَه غارقًا في بَحرٍ من المشكلات.
قد تكون هذه الحالات حالاتٍ متطرفةً نوعًا ما. غير أنَّ مُتلازمة يوم المرموط ليست حالةً مَرضيَّةً نادرةً. إلى حدٍّ ما، يوجد لدينا جميعًا عاداتٌ ذهنيَّةٌ معيَّنةٌ وطرقُ تفكيرٍ تقودنا باستمرار إلى المشكلات. ومن الصعب جدًّا تغييرُ العادات وطرق التفكير تلك. ولعلَّ أوَّل أسباب صعوبة التغيير هذه أنَّنا لا نحبُّ أَنْ نعترفَ بأنَّنا أنفسَنا سَبَبُ مشكلاتنا. لا شكَّ أنَّ هناك أشخاصًا أوغادًا آخرين من حولنا- أشخاصًا لم يؤدُّوا ما أردْنا منهم أن يفعلوه. وربَّما هناك عواملُ خارجةٌ عن إرادتِنا. إنَّ من الأسهل إلقاءَ اللَّوم عليهم من أن نتحمَّل مسؤوليَّة الفشل، وبهذا نكون قد أفلَتْنا من حَبْل المشنقة. إلَّا أنَّنا بهذا نكونُ قد تسبَّبنا لأنْفسنا بالأذى. إنَّ أهمَّ الدروس التي نتعلَّمُها في أعمالنا التجاريَّة تأتي من مواجهةِ نقاطِ ضعفِنا والصمودِ في مواجتها.
إنِّي هنا أتحدَّثُ من واقع خِبرتي الشخصيَّة، ولا سيَّما من تجرِبتي في أكبر فشلٍ تجاريٍّ وقعتُ فيه، ألا وهو إفلاسُ شركة البريد في عام ١٩٨٨م. لقد كنتُ بدأتُ من الصفر وأسَّستُ شركة پيرفكت كوريير (Perfect Courier) ونَمَتْ مبيعاتها حتَّى وَصَلت إلى ثلاثين مليون دولار، الأمر الذي أهَّلها لتَبَوُّء موقعها ضمن قائمة ’’إِنْك ٥٠٠‘‘ للشركات الخمس مئة الأسرع نُموًّا لثلاث سنواتٍ متتالية. ومن ثَمَّ دخلتُ في اندماجٍ مع شركة سيتي پوستال (City Postal) ودخلتُ قائمة إِنْك للشركات المئة الأسرع نموًّا في عام ١٩٨٧م. غيرَ أنِّي لم أصِلْ إلى حدِّ القناعة والاكتفاء، فقد كان طموحي الوصول بالشركة إلى رأس مالٍ مقداره مئة مليون دولار. لذلك عندما لاحتْ فرصةٌ سريعةٌ اقتنصتُها ودمجتُ الشركة في عام ١٩٨٧م مع شركةٍ أخرى تُدعى سكاي كوريير (Sky Courier) وكان رأسُ مالِها سبعين مليون دولار.
تَبَيَّن فيما بعد أنَّ شركة سكاي غارقةٌ في المشكلات- مشكلاتٍ كبيرة. فبادِئِ ذي بَدْء، سرعان ما احتاجت الشركة إلى ضَخِّ مبلغ خمسة ملايين دولارٍ نقدًا. قرَّرتُ وقتَها سَحْب المبلغ من شركة پيرفكت كوريير، وهي خطوةٌ لم تكن خطأً بالضرورة. حتَّى لو أفلسَتْ شركة سكاي وتحققَّتْ خسارةُ المبلغ، فإنَّ شركةَ پيرفكت كوريير ستَكون قادرةً على البقاء ومُواصلة النموِّ بمقدار المعدَّل السابق.
غير أنِّي أدركتُ بعدَ ذلك بوقتٍ قصيرٍ أنَّ مبلغَ خمسة ملايين لم يَكُن كافيًا. فقد احتاجَتْ شركةُ سكاي مليونَين آخرَين نقدًا، وقرَّرتُ أيضًا أنْ أسحَبَهما من پيرفكت كوريير. وعلاوةً على ذلك، وافقتُ على رَهن عِدَّة ملايين أرصدة پيرفكت كوريير لمصلحة شركة سكاي وإبقائِها صامدة.
لقد كان هذان القراران خطأَين خطيرَين. فقد عَرَّضا عملي الأساسيَّ للخطر. وأدركتُ وقتَها أنِّي لو خسرتُ الدَّفعة الثانية من الدعم، فإنَّ شركةَ پيرفكت كوريير ستصيرُ شركةً عَرجاء. ولو دَخَلنا في مشاكلَ بخصوص ضمانات القروض، فإنَّ شركةَ پيرفكت كوريير قد لا تعود قادرةً على الصمود.
ولكن رُغم جميع المخاطر، لَمْ أفكِّر في عكس اتِّجاهي قطعيًّا. فلَمْ يَخْطُر في بالي قطُّ أنَّه كان عليَّ أَنْ أفعلَ ذلك. كنتُ واثقًا بأنَّه سيكون في وسعي التَّعامل مع ما يستجدُّ من أحوال. فقد سبقَ ومررْتُ بأحوال عصيبةٍ من قبل وكنتُ أعتقد أنِّي شخصٌ قويٌّ لا يُقهَر. ما لم آخذْه في الحسبان هو حتميَّة وقوع أحداثٍ غير مُتَوقَّعة. فقد جاءَ أوَّلًا انهيارُ الأسواق الماليَّة في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر من عام ١٩٨٧م. وكان من أكثر الأعمال التجاريَّة تأثُّرًا بذلك الانهيار، المطابعُ الماليَّة التي كانت لِشَركة سكاي تَعامُلاتٌ تجاريَّةٌ ضخمةٌ معها. فبَيْن عَشيَّةٍ وضُحاها فقدَتِ الشركة ٥٠% من مبيعاتها. وفي الوقت ذاته، وصلتْ أجهزةُ الفاكس- التي كان مضى على شيوع استعمالها عشرون عامًا تقريبًا- إلى نقطةٍ مهمَّة كان لها تأثيرٌ مدمِّر في أعمال شركات البريد. فبَدلًا من إرسال الوثائق بوساطة البريد المحمول، غَدَتْ أعدادٌ متزايدةٌ من الناس يستعملون أجهزة الفاكس لنَقْل مراسلاتهم. وفي بضعة أشهرٍ هوى حجم أعمال پيرفكت كوريير بنحو ٤٠%.
إنَّ تَضافُرَ عددٍ من العوامل كان شاملًا. وفي شهر أيلول/سپتمبر من عام ١٩٨٨م، طلبتْ شركاتي الحماية من الدائنين بموجب الفصل ١١ من قانون الإفلاس. في الوقت الذي خرجنا فيه من تحت مظلَّة حماية الفصل ١١، كان عدد العاملين لدينا قد تقلَّص من ثلاثة آلاف شخص إلى نحو خمسينَ فقط. كما تقلَّصَتْ مبيعاتُنا من ١٠٠ مليون دولار إلى رقمٍ هزيلٍ هو ٢.٥ مليونًا فقط.
صدِّقوني إنَّها صَدمةٌ ثقافيَّة. وقد مضتْ بضعُ سنين قبلَ أنْ أفيقَ وأستطيع استيعابَ ما حصلَ معي ولماذا جرت الأمور على ذلك النحو. وقد استغرقَتْ هذه العمليَّة وقتًا؛ لأنَّه كان لديَّ بعض الأعذار الجيِّدة. على أيَّة حال؛ ورُغم كلِّ شيء، مَن كان يسعُه أنْ يتوقَّع انهيار سُوق الأسهم بهذه الشدَّة؟ ومَن ظنَّ أنَّ شيوعَ استعمال أجهزة الفاكس سيُوجِّه إلينا مِثْل هذه الضربة وفي الوقت نَفْسه؟ السؤالُ الحقيقيُّ هو كيف صارتِ الشركةُ ضعيفةً أمام هذه التطوُّرات وسريعةَ التأثُّر بها؟
لقد كان أمرًا بالغَ الصعوبة بالنسبة إليَّ أنْ أحوزَ جوابًا شافيًا لذلك السؤال. وكان ذلك يعني الاعترافَ أنَّ الإفلاسَ كان مُرتبطًا بشخصيَّتي وبعمليَّة اتِّخاذ القرار. وأخيرًا ورُغم كلِّ شيء، أجبَرْتُ نفسي على الاعتراف بما كنتُ أعرفُ أَنَّه صحيح. لقد بدأتُ مشروعًا ممتعًا ومأمونًا ومربحًا، ولكنِّي حطَّمتُه بتعريضه لمستوًى من المخاطرة كان يجبُ عدم تعريضه له قطعيًّا. وفوق ذلك، فإنِّي فعلتُها بسبب أمرٍ ما يتعلَّقُ بطبيعتي. فأنا أستمتعُ بالمخاطر وأستمتعُ أيضًا بالذَّهاب إلى حافَة جُرفٍ والنظر إلى الأسفل. تلك هي سِمَتي الشخصيَّة التي كانت وراءَ مُتلازمة يوم المرموط الخاصَّة بي. لقد دفعَتني الأحوالُ هذه المرَّة إلى حافَة الجُرف. ولكن في الواقع كان يجبُ ألَّا أكون قريبًا من الجُرف البتَّة. لقد غامرتُ بطريقةٍ حمقاءَ وعرَّضتُ كُلَّ ما أملُك للخطر. ونتيجةً لذلك، فقدَ المئاتُ من الناس وظائفَهم، وكثيرون غيرهم، وأنا منهم، مرُّوا بكابوسٍ مخيف.
كان من الصعب الاعتراف بذلك كلِّه، غير أنَّه تَبيَّن فيما بعد أنَّ عمليَّة الصمود كانت واحدةً من أكثر التجارِب المريحة نفسيًّا التي مررتُ بها خلال حياتي العمليَّة. لا أقصدُ أنِّي قرَّرتُ تغييرَ شخصيَّتي، فقد كنتُ أدركُ أنِّي لا أستطيعُ ذلك. كما أنِّي لم أكُنْ أرغبُ في ذلك على أيَّة حال. بدلًا من ذلك، بدأتُ أُركِّز على ما أستطيع فعله حتَّى أتفادى التعرُّضَ لتَجرِبة يوم المرموط مرَّةً أخرى. فقد أدركتُ مثلًا، أنِّي نادرًا ما تقبَّلتُ النصائحَ التي كان يُسديها الناس إليَّ. إذ كنتُ غالبًا ما ينتهي بي الأمر بِتَجاهُل تلك النصائح. لذلك فقد بدأتُ أدرِّبُ نفسي على الاستماع إلى الآخرين بشكلٍ أفضل وصرتُ أُقنع نفسي بضرورة تَفَهُّم هذه النصائح على الأقلّ، سواءٌ أَأَخذتُ بها أم لم آخذ. كما أنِّي بدأتُ أسعى إلى الحصول على وجهات نظَرِ أشخاصٍ أحْتَرِمُ حُكمَهم على الأمور ولكنْ ممَّن تختلفُ طبيعتهم عن طبيعتي. وتوصَّلتُ إلى مبادئَ معيَّنةٍ تُملِي عليَّ التفَكُّرَ جيِّدًا في عواقب الأمور قَبْل اتِّخاذ أيِّ قرار.
على أنَّ ما قمتُ به بشكلٍ رئيسيٍّ هو أنِّي عدَّلتُ طريقةَ تفكيري بشأن المخاطر. أرجو ألَّا يُساء فَهمي. فقد بَقيتُ مُحِبًّا لرُكوب الأخطار كما كنتُ دائمًا، غيرَ أنَّ الأخطار التي أُقدِم عليها هذه الأيَّام هي أخطارٌ محسوبةٌ جيِّدًا. وعلى وجه الخصوص، فإنِّي أَحسِبُ جيِّدًا خطرَ أن يفقدَ أحدُ الناس وظيفتَه نتيجةً لقرارٍ أتَّخذُه. وكان هذا من دون أدنى شكٍّ أهمَّ درسٍ تعلَّمتُه في هذا الفصل من حياتي. ومن خلال الإحساس بعذابات الأشخاص الذين يُسَرَّحون من وظائفهم، تمكَّنتُ من تطوير إدراكٍ للمسؤوليَّة المخيفة التي يمارسُها المديرون التنفيذيُّون والتي يتحكَّمون بها في حياة موظَّفيهم.
وانطلاقًا من هذا الفهم جاءَ القانونُ الأساسيُّ الذي أتقيَّدُ به عند دراسة أيِّ قرارٍ مهمٍّ أنْوي اتِّخاذَه. والقانون هو: كنْ أنت دائمًا القائمَ على مصدر رِزْقك بنفسك. فإذا ما كان لديك مشروعٌ تجاريٌّ قائمٌ وتتوافَر له أسبابُ النموِّ والازدهار، عليك أن تضعَ مَصلحةَ هذا العمل أوَّلًا وأن تُحْجِمَ عن اقتراف أيِّ فعلٍٍ قد يعرِّضُه للخطر. لا بأس في الاستثمار بمشروعٍ ينطوي على مجازفة، شريطةَ أنْ يبقى لُبُّ نشاطك التجاريِّ آمنًا حتَّى لو خسرتَ استثمارك بأكملِه ووَقَعتْ بعض الكوارث غير المتوقَّعة. وقد اتَّبعتُ هذا القانون بحرصٍ شديد بعد كلِّ تلك التجارب التي مررتُ بها. ونتيجةً لذلك، فقد صارَتْ تجارتي أكثرَ صحَّة وصرتُ أنا أكثرَ سعادة. وفوق ذلك كلِّه، صرتُ أصحو من نومي كلَّ صباحٍ وأنا واثق بأنَّ اليومَ ليس يوم المرموط، إلَّا إذا كان ذلك اليوم هو يوم ٢ شباط/فبراير.