قراءة كتاب الصدأ

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الصدأ

الصدأ

تجمع الكاتبة العراقية الكردية ليلى جراغي في روايتها "الصدأ"، مكوّنات تتيح لها مقاربة مفهوم الهوية المتشظية كمقدمة لإرساء السلام الداخلي ووحدة الذات المتعددة، من خلال سبعة مشاهد تستعرض فيها الشخصيات مخاوفها وأحقادها المتراكمة وكيفية تسلسل استيطانها، عبر خيار

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2
 الأساطير المؤلمة والحزينة كلما دفعها أمر ما للخوض في سيرتها بدءاً من يتمها وفقرها في موطنها الأصلي وانتهاءً بغربتها، وترحيل زوجها الجزائري الأصل قسراً من هولندا، لنفاذ أقامته، تاركاً وراء ظهره طفلهما ذو العامين . ولطالما تعاطفت نرجس مع تلك المرأة وهي تسمع حكايتها وتتألم من أجلها، ولطالما ناقشت أسرتها حول معاناتها بحماس شديد، كان يتجاوز في لحظات معينة حدود الإنفعال، وعندما كان يستعصي عليها إيجاد حلول بديلة لمشاكلها ، حتى دون أن تعرف عمن تدافع ، ومن أجل من كانت تغضب وتتألم ، فهي لم تحظى من قبل برؤية حسيبة رغم الزيارات القليلة والمتباعدة والقصيرة لأبنتها نهال ، لكنها استطاعت بدافع الإشفاق ولدوافع دفينة أخرى، لم تكن تدركها، أن ترسم لها في مخيلتها صورة بائسة، تعكس من خلالها هموم بعض النساء المهاجرات اللواتي يعانين من الغربة وتعسف القوانين ، لتسقط من خلالها وعلى مدار الشهور ما كان يكمن في أعماقها من تراكمات سلبية حتى نفذ رصيدها ، وباتت حسيبة ومصيبتها تتأرجح بين الذكرى والنسيان ، لأنها أيقنت مع الوقت بأن مشاكل تلك المرأة كان يصعب على أي مخلوق سوى الله ودائرة الهجرة، حلها .
 
من شدة الإرتباك نسيت نرجس في بادئ الأمر أسمها ، ثم سرعان ما تذكرته عندما راحت تلك المرأة تردد عبر الهاتف بصوت فيه رنة عتاب :
 
ـ حسيبة .. أنا حسيبة . جارة بنتك نهال ...
 
ـ أهلاً حسيبة ، حدثتنا نهال عنك مراراً ...
 
قاطعتها المرأة بصوت لاهث وهي تصر وتؤكد على كلامها :
 
ـ أقسم بالله ، كان صراخهم يصل آخر الدنيا ، وابنتك نهال تستنجد وتستغيث ، وزوجها فؤاد يشتم ويزبد ويرعد ، وعلى الأرجح كان كالعادة يضربها ، كنت أسمع صوت الخبط والتكسير ، وفجأةً يهدأ كل شيء دفعة واحدة، ولم أعد أسمع بعدها صوتاً ولا حتى حركة، ولهذا أحسست بالقلق فاضطررت إلى طرق بابهم عدة مران دون جدوى بالرغم من خوفي من غضب فؤاد الذي لا يطيق رؤيتي ، إذ يعتبرني كائن فضولي يتدخل في ما لا يعنيه، كوني حاولت في واحدة من شجاراتهم الكثيرة الإصلاح في ما بينهم . إيه، أفعل خير تلاقي شر .
 
كانت نرجس ذاهلة وعيناها لا تطرفان ، فقد راودتها أفكار سوداوية ، وخيال ابنتها راح يتراءى لها بشتى الأشكال والصور المحزنة ، بينما المرأة مستطردة في الكلام .

الصفحات