كتاب " المدارس التاريخية الحديثة " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب المدارس التاريخية الحديثة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
التــوطئــة
بعد كتابِنا الصادر عام 2003 عن «مفهوم التاريخ وتاريخ المفهوم في العالم الغَربي من النهضة إلى العولمة» وبعد الكتاب الثاني الصادر عام 2008 عن «نظريات المعرفة التاريخية وفلسفات التاريخ في العالم الغَربي في النصف الثاني من القرن العشرين» وكان عملاَ جماعيّا تولَّينا الإشراف عليه والمساهمة فيه ضمن نشاط «بيت الحكمة» التونسي، هانحن نُواصل الاهتمام بِعِلْمَوِيَّة التاريخ بهذا التأليف الجديد الموسوم «المدارس التّاريخيّة الحديثة»، وقد حاولنا أن تكون هذه المحطة الثالثة مرحلة متقدمة كميا ونوعيّا قياساً إلى ما أنجزناه سابقا، ولعل من أبْرز مَا جئنا به من جديد هو الملاحق ( 46 وثيقة مستلة من كتابات كبار المؤرخين وغيرهم من المفكرين الغَربيّين الذين أعملوا فكرهم في ماهية علم التاريخ)، وتمسح هذه الوثائق كامل الفترة من عصر النهضة الإيطالي (LA RENAISSANCE) إلى بِدايات القرن الواحد والعشرين و«ما بعد الحداثة».
إن هذا التأليف من شأنه أن يوفر للطالب وللمدرس العَربيّين في علم التاريخ حدّا أدنى من المعارف عن علم هو من أجمل مغامرات العقل البشري، ولقد تَوخَّينا فيه لغةً مبسّطة اللفظ قريبة المأخذ، دانية الملتمس، كما حَرِصْنَا على الإيجاز والتكثيف حتى يغريَ الحجم المحدود للكتاب بقراءته وبالاستفادة منه. وقد حاولنا جاهِدين ألا يكون التبسيط على حساب العلم رغم صعوبة ذلك.
لقد لاحظت بحكم مهنتي، بصفتي أستاذا جامعيّا في التاريخ المعاصر بالجامعات التونسيّة، أن الكثير من المهتمين بعلم التاريخ في العالم العربي من طلاب ومثقفين يجهلون أغلب ما كتبه عمالقة الفكر الغربيّين حول صناعتهم (علم التاريخ)، وإن الذين حاولوا التعرف إلى ذلك، اصطدموا بصعوبة بعض ما قرؤوه، خاصة إذا اختلط علم التاريخ بشيء من الفلسفة أو علم النفس أو الاقتصاد... إلخ. زد على ذلك نفور الطلاب من الرجوع إلى المصادر والمراجع المكتوبة بغير اللغة العربيّة، وهذه مأساة أخرى تتعلق بالطريقة التي تم بها تعريبُ العلوم الإنسانية والاجتماعيّة في تونس وفي بقية البلدان العربيّة، إِذ أدَّى ذلك التعريب – مع الأسف الشديد- إلى تقوقع الطلاب في صدفة اللغة العربيّة، في وقتِ تزداد فيه الحاجة إلى معرفة أكثر مايمكن من لغات العالم المتقدم.
إن توجه هذا الكتاب توجه تجميعي، إذ قلتُ لنفسي إِن المعنيين به بحاجة في مرحلة أولى إلى «مغازة أفكار»، فسرتُ على خطى الفيلسوف الفرنسي جان جاك رُوسّو الذي قال في «اعترافاته» (الكتاب السّادس) في أواخر القرن الثامن عشر «قلتُ لنفسي: لا بدّ أن أشيّد مغازة أفكار سواءٌ أكانت تلك الأفكار خاطئة أم صحيحة. المهمّ هو أن تكون واضحة، وذلك في انتظار أن يمتلئ دماغي ويكون قادرًا على المقارنة والاختيار بين تلك الأفكار. وأنا على يقين من أنّ هذه الطريقة لا تخلو من سلبيّات، لكنّها على الأقلّ تمكّنني من بلوغ هدفي، وهو التّعلّم...»(1)*. وأرجو أن يؤدّي الاطّلاع على «مغازة الأفكار» المتمثّلة في هذا التأليف إلى إغراء الكثيرين بمزيد التّشبّع بالتّراث الغربيّ في علم التّاريخ، ومعاشرة أمّهاته وأساطينه، لأنّه التّراث الأكثر تقدّمًا في هذا الميدان في عالَم اليوم.
لقد حمل علم التاريخ في العالم الغربي بصمات التحولات الكبرى التي شهدتها «القارة العجوز» من عصر الاصلاح الديني (القرن الخامس عشر) وعصر النهضة (القرن السادس عشر) (LA RENAISSANCE) وعصر العقلانية (القرن السابع عشر) إلى عصر التنوير (القرن الثامن عشر) وعصر الوضعية والعلم والصناعة العصرية وعصر «أزمة الإنسان والعلوم الإنسانية» والعولمة (LA MONDIALISATION) و«ما بعد الحداثة» (LA POST-MODERNITÉ) (القرن العشرون وبدايات القرن الواحد والعشرين).
لقد بذلتُ في هذا البحث جهد الطّاقة، وإن كنتُ كلّما أوغلتُ في طواياه، شعرتُ أنّني ما زلتُ أقف منه على العتبة، لكنّ الذي أحبّ تأكيده هو أنّني لا أزعم أنّني بلغتُ فيه كلّ ما أتوق إليه من الإحاطة والدّقّة، ولا أدّعي من العلم إلاّ بعضه، والشّكر مسبقًا للّذين سيقرؤون هذا الكتاب لصبرهم عمّا لم يعجبهم فيه، وعاش علم التاريخ ظافرًا منصورًا.
ملاحظة:
كل الوثائق المرافقة من تعريبي (الهادي التيمومي) باستثناء وثيقتين ذكرتُ اسم معرّبهما.