كتاب "الأعمال القصصية الكاملة- المجلد الأول" يحوي القصص القصيرة، للكاتب المبدع والمناضل الفلسطيني محمود شقير، حيث يعتبر مالكاتب من كُتاب القصة القصيرة المتميزين كما وصفه القائد الفلسطيني الراحل توفيق زيّاد، أن قصص محمود شقير تمتاز عموماً بحب الناس، وبروح ال
You are here
قراءة كتاب الأعمال القصصية الكاملة- المجلد الأول
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
كان يتأوه بأسى ثقيل.. صبّت عزيزة فوق زوجها نظرات فاحصة، وفجأة قفزت إلى ذهنها صورة عواد.. يا ما كان قلبها يمتلىء إعجاباً به في الأعراس، كانت تقف في الشباك وتحشر رأسها بين رؤوس النساء، وهن يتفرجن على حلقة الدبكة في الساحة.. كان عواد يحتل قلوب العذارى والمتزوّجات، حينما يكون على رأس الدبكة وحينما يغني على أنغام الشبابة.. وبالأمس، ذهبت تحتطب، كانت تغني نشوانة، وعواد يختال بحيوية وأغنامه ترعى، وشبابته تصدح، والشهوة ترقص في أعماقها وعواد يقترب منها:
- على الصبح يا فتاح يا عليم.. صبّحت حاملة الندى على كتفيك!
- والا ماذا! الحياة تتطلب..
عندما انتهت من جمع الحطب، رفع عواد الحزمة، ثبتها فوق رأسها، وكان في عينيه شيء غريب، ترجرجت رقبتها، وكان بدنها يرتخي، أطلقت ضحكة رعناء، تهاوت الحزمة عن رأسها، وطار مخّ عواد حينما سمعها تضحك، كان الكحل يملأ عينيه، وكوفيته الحمراء تضفي عليه وسامة.. ضمّها بين ذراعيه ورصع على خدها قبلة.. رماها على الأرض كأنه فارس.. رنّ جرس في رقبة نعجة.. أجفلت وانتفضت مذعورة وركضت كأرنبة، جالت عيناها في الخلاء دون أن ترى احداً.. وبخطوات مرتجفة عادت.. أصبح العالم من حولها سديمياً.. ورن الجرس، وكان صوته لذيذاً، وفجأة، أبصرت وجهاً مرعباً كأنه القدر يمرّ من خلف جذع زيتونة.. زعقت بأعلى صوتها، وتململت في عنف.
كان زوجها ينشّف يديه بخرقة، والألم يجرح أعماقه، كان ينظر صوبها بتهيّب، وكل ما يطمح إليه أن تخفّف عذابه بكلمات تخرج من أعماقها حارة مؤثرة.. حاول أن يتكلم، لكنه وجد نفسه مرة أخرى عاجزاً عن التلفظ بشيء.. وقد لاحظت عزيزة ذلك.. قال بعد صمت:
- الحق عليك.. كان لازم ما تبعدي عن البلد.
- وحق الله يا ابن الحلال ما كان عندي نية سوء.
- والا كيف تعمّدك؟
- وانا اجمع الحطب هجم عليّ مثل الغول.
- طيب.. حجر في راسه يا ملعون أبوه.
- الخوف ربط يدي.
- رماك على الأرض؟
كان بدنه يصطك بعنف، وصوته يزداد حدة، خفضت رأسها وقالت:
- يمكن
- كيف يمكن؟
- أقول لك عقلي غاب، وكنت أصرخ، والا خالد العلي يطل علينا.
كان الألم يجرح أعماقه أكثر فأكثر، أحسّ أن محاولته لن تدخل على قلبه أي اطمئنان. حدق في وجوه أطفاله المندسين في ركن البيت، ونفخ مغتاظاً:
- جاوبيني صراحة.. احكي، احكي.
طفرت الدموع من عينيها، وبعد فترة قالت:
- وحق الله لا.. حرام عليك، لماذا نيتك سوء؟
حدق فيها.. حاول جاهداً أن يفهم معنى دموعها، لكنها لم توصله إلى قرار، بكى وكأنه طفل.. انتبه الأطفال إلى والدهم ينتحب، واهتزت في أذهانهم صورة أب، يأتيهم بالحلوى ويعطيهم النقود، وليس في البلد من هو أقوى منه.. تقوّست شفاههم.. وما لبثوا أن أمعنوا في العويل..
كان كالملسوع يغلي السمّ في عروقه، فلا يستطيع أن ينام ليله الطويل، وكان المختار يتحسّر على أيام زمان.. وفوق القرية، توسوس رياح صيف غريبة.