كتاب "الأعمال القصصية الكاملة- المجلد الأول" يحوي القصص القصيرة، للكاتب المبدع والمناضل الفلسطيني محمود شقير، حيث يعتبر مالكاتب من كُتاب القصة القصيرة المتميزين كما وصفه القائد الفلسطيني الراحل توفيق زيّاد، أن قصص محمود شقير تمتاز عموماً بحب الناس، وبروح ال
You are here
قراءة كتاب الأعمال القصصية الكاملة- المجلد الأول
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
- انصت يا بارد.. ما عندك حياء.
كان ينتصب بصمت. أيقنت أنه لا يودّ شراء العنب.. اغبرّ وجهها. وكانت صورة زوجها الطيب.. وملامح طفلها البريء وعجرفة هذا الأفندي، تملأ رأسها..
- تريد أن تشتري والا أطلع.
قال بخبث وهو يمد يده إلى جيبه:
- عندي عنب خليلي الحبة قدر العصفور.. لا أريد عنبك.. لكن اسمعي.. أعطيك نصف دينار، وكوني عاقلة..
التمعت في وجهها عينا قطة متوحشة:
- وأنا عاهرة يا ملعون أبو أصلك.. والله سوف أملأ الدنيا صراخاً.
اقترب منها بخشونة ووقاحة.. تراجعت، وتبعها كالغول.. أطبقت ذراعاه حول خصرها.. وكانت تزعق وتدفعه بشدة.. مزع ثوبها عن صدرها.. عضّته، وطال الصراع.. وكان صراخها يتردّد في أركان الغرف وفي البهو.. أحس التخاذل يتسرب إلى أعماقه.. قال في تهدج:
- انصرفي.. هيا.. انصرفي.. اخرجي.. صحيح فلاحين بقر.
اقتربت من السل.. كان العنب يجثم في صمت ذابل.. خرجت تجرجر قدميها بفتور.. وبنات بلدك، ماذا سيقلن حينما يبصرن سلّ العنب رجع مثلما ذهب، وثوبك قد انمزع.. سوف يتغامزن، ويهمسن وسوف تنتشر الفضيحة في البلد وزوجك سوف يدري.. تدحرجت من عينيها دموع ذليلة.. ولم تعد إلى سوق العطارين حيث بنات بلدها.. انسلت إلى باب العامود.. انكمشت بكل مهانة وهي تحدّق في العنب بنظرات زائعة.. وفجأة انتهرها صوت عنيف:
- يا بنت .. قومي.. قومي من هنا.. ممنوع البيع في هذا السوق.
كان موظف البلدية يهز عصاه الطويلة في وجهها دون رحمة.
_ بحياة الله خليني.
- قومي.. إلى سوق العطارين.. السياح يمرون من هنا.. ممنوع.
حملت سل العنب.. وغادرت السوق.. وصلت إلى حي في طرف المدينة.. كانت البنايات الضخمة تتربع كأنها القدر.. وكان صمت مترفّع يلفّ الحي.. لا أطفال يلعبون.. ولا صوت ينادي: يا بائعة العنب تعالي.
- عنب يا بنات.. عنب.
بُحّ صوتها. وكانت أغلب البنايات الضخمة تتجاهل صوتها المتوسّل.. باعت قليلاً من العنب.. وعادت منهوكة إلى باب العامود.. قرفصت بحذر.. وكان نسيم العصر يتهادى فوق المدينة.. والفلاحات يهرولن إلى قراهن، ويتحدّثن بأصوات عالية بهيجة.. وسائق تاكسي ينادي الركاب بصوت ذابل ممطوط.. حدقت في أرطال العنب أمامها، وشعرت أنها هم ثقيل يتربع فوق صدرها.. داهمها نزق حاد.. لم تكن جائعة، ولكنها التهمت قطفين بعصبية. ودّت لو تأكل ما تبقّى في السلّ كله.. ثم تعود إلى القرية.. وانتهرها الصوت