You are here

قراءة كتاب فراسخ لآهات تنتظر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فراسخ لآهات تنتظر

فراسخ لآهات تنتظر

رواية "فراسخ لآهات تنتظر"، ينحو العراقي زيد الشهيد في روايته هذه باتجاه عرض الحال الاجتماعي في زمن الحصار الذي فرض على العراق من خلال الدخول إلى حياة ثلاثة من المنتجين المبدعين ( شاعر ، ورسام ، وناقد ) كانوا يوماً ما مفعمين بطموح تغيير خارطة الوطن ،رغبةً في

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
(1)
 
 
 
ها أنا أخرجُ من جديد· أبرحُ مواطنَ الدفء، مخلِّفاً ورائي جبالاً متزاحمةً من التهالكات، حاملاً على كاهل الروح رغاوي متناسلة من الكوارث المتهافتة والحروب الخاسرة والأسى المهول··· أخرج ولا أدري كيف خرجت!!·· رأسي على جسدي والجواز بيدي· جوازٌ صار هويةً أبدية للرحيل والاغتراب والتنقّل عبر دروب المنافي، مقذوفاً بين تتابع محطات القلق ومنعطفات التهجّس ومتاهات البراري وحشود الوجوه وتهافتات الاستفهامات الآيلة إلى اللاجواب·· أتساءل كما لو كنت مُنسلخاً من رحمِ الذهول: أحقّاً هذا الذي أنا فيه هو أنا؟!·· أصدقاً هاتان اللتان تطآن شاطئ الأمان هما قدماي؟!···
 
أعدُّ اللحظات التي أخالها تمطّت فبلغت دهراً، مثلما أحثُّ الحافلة التي تقلّنا - برجاءاتي المتوسلة - للإسراع والخروج من شِراك الفخ الملغَّم الذي اسمه .طريبيل (هذا المنفذ الحدودي الوحيد المتاح لنا للانزلاق من عنق الزجاجة / من دائرة الاختناق·) لا لشيء إلاّ لإدراك محيط جوازات .الرويشد الأردني والنزول بحثاً عن مرآة أحدّق فيها كيما تعطيني صدق يقين كوني أنا .مبدر داغر بحق؛ وكون الذي مرَّ ليس حلماً سينتهي في دوّامة خنق الأنفاس، ولا موقفاً عابراً سيُعيدني انتهاؤه إلى نقطة الصفر الناريّة·
 
ها أنا أخرج··
 
وأتذكّر عيون العتاب في الوجوه الشاحبة المتعبة التي التقيتها في الأسواق والمقاهي والطرقات واللقاءات العابرة وزحامات البحث الساحق عن بضاعة مفقودة·· جلّ الأصدقاء وأغلب من لهم صلة معرفة جلبَتها سني العمل أو جلسات الود يوم كان التعارفُ الحميم سمةً شاخصة لأبناء مدننا العائمة على سحابات البراءة عابوا عليَّ عودتي بعد ما يزيد على العشرين عاماً من مبارحتي البلاد؛ مستنكرين بقائي بين ظهراني الألم المُجبرين هم عليه·
 
ستة أشهر صرفتها أتجوّل بعين الذهول ولوامس الاستغراب، تلاحقني ترادفات أسئلة حائرة: ما هذا الذي حدث؛ ولماذا؟·· كيف تسبب الجُناة في تشويه وجه الوطن السمح الجميل؟·· ماذا جنَت مدنُنا الحييّة حتى ترتفع على جدران حواريها لافتات الكدر؟ ولماذا غدت الشوارع صحفاً يومية يقرؤها الآتون إمّا بحزنٍ مرير أو بساديّة موغلة بالتشفّي؟·· ثم ما هذه الشخوص الغريبة التي تتخفّى بأقنعة إظهار المواساة ما تلبث أن تتركنا وقد حملت على ظهورها أكياسَ جهدنا وعرقنا وإرثنا، وممتلكاتنا المنهوبة هِبةً من اللصوص والقتلة والشُّذّاذ المتربعين على عنق جغرافيتنا الموشّاة بالطُّهر والوداعة؟···· عندما رأى المقرّبون جواز سفري جاهزاً أيقنوا أنَّ نصائَحهم أدّت جنيَها؛ وأنَّ رحيلي الثاني سيكونُ بلا عودة·· لم يكونوا يدركون أنَّ خروجي هذه المرّةَ ليس هرباً كما حدث في المرّةِ الأولى قبل عشرين عاماً؛ بل للبحث عمّن جمعتُ لها ما قُدِّر من مال ورغبة وهدفٍ نبيل لأقترنَ بها، ولأصرف ما بقي لي من أعوام في كنفِ لهفتها؛ هي التي عاهدتني على ترسيخ حبِّها رصيداً لرغبتي في الحياة··· آ نجاة! لقد منحْتِني أنفاسَ الدروب البهيّة في آخر لقاءٍ، وتمسَّكتُ برجاءات نبراتك الحنون: .خذْ نصيحةَ أبي وارحل؛ لعلَّ في رحيلكَ بارقةً نيّرة للقائنا الدائم·

Pages