You are here

قراءة كتاب فراسخ لآهات تنتظر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فراسخ لآهات تنتظر

فراسخ لآهات تنتظر

رواية "فراسخ لآهات تنتظر"، ينحو العراقي زيد الشهيد في روايته هذه باتجاه عرض الحال الاجتماعي في زمن الحصار الذي فرض على العراق من خلال الدخول إلى حياة ثلاثة من المنتجين المبدعين ( شاعر ، ورسام ، وناقد ) كانوا يوماً ما مفعمين بطموح تغيير خارطة الوطن ،رغبةً في

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
(3)
 
 
 
كان الطريقُ من بغداد إلى عمّان شاقّاً ومرهقاً وثقيلاً· والشابُ الذي يجالسني المقعد بشعره الأكرد القصير صرف الساعات نائماً أو متظاهراً بالنوم؛ حتى وهو يفتح عينيه قليلاً كان يمارس الصمت، ولم تبدُ عنده رغبة للحديث· غير أنّه، وحين بانت أنوار طريبيل الصفر اللاهثة، سمعته يسألني:
 
- هل ما زالت الحدود بعيدة؟
 
- نحن على مبعدةِ خمسة كيلومترات·· ألاّ ترى الأنوار؟
 
الساعةُ تتعدّى الواحدة ليلاً· وسؤالُ الشاب فاتحة مؤمّلة لهدف سيجعلني أشعر باستقرار بعد ساعات قلقٍ مُمِضٍّ صرفتها محاطاً بأسوار العزلة· لا بدَّ من أن أفتح معه حديثاً وصولاً لإنجاز غايتي التي تشغلني وحاصرتني بجيوش الهواجس·· عرفتُ أنّه تونسي وأنَّ اسمه .الهادي طرحتُ أسئلةً مقتضبة ممزوجة بترحاب خاص، معلناً أنَّ شعوب المغرب العربي جميعاً إخواننا، لكنَّ شساعة المسافة هي من مسببّات البعد تقف إلى جانبها تراكمات الحدود؛ هذه العوائق المثيرة للحنق· قال إنّه جاء قبل عام ليدخل إحدى الكليات العراقية اعتماداً على يسر الأجور في الدراسات الجامعية، لكنه وجد الحياة صعبة ومعقّدة؛ والدراسة مرتبكة ليست كما فهم من خاله الذي درس الطب قبل أربعين عاماً في جامعة بغداد ويعمل الآن طبيباً له سمعةٌ طيّبة في تونس العاصمة·
 
اكتشفته راغباً في الحديث؛ لم يُظهر تهيباً كأي شخصٍ يحسُّ بوطأة الغربة عند لقائه الآخرين· ذلك ما مررَّ أنسامَ الارتياح فوق حقل روحي المفتقد لها·
 
- قال لي اذهب إلى بغداد إذا أردت مستقبلاً رصيناً؛ فالاختصاص الذي تبحث عنه والمعرفة التي ترمي اغترافها تجدها هنالك· لي أصدقاء في بغداد صاروا أطباءً مثلي وما زالت لي معهم بقايا مراسلات وذكريات يمكنهم إعانتك فالعراقيون أوفياء، والسنـين لا تراكم غبــارها على ذاكرتهـم·
 
.الطريقُ يخلقُ الصديق· فلا تقلق يا مبدر· كانت هذه آخر كلمات كمال عندما مدَّ كفّه للوداع، ورسمَ ابتسامةً متكلفة تخفي خشية أنْ يحدث شيء ٌلغير صالحي··· ولحظة تحركت الحافلة وتطلّعتُ إليه أدركتُ عُظمَ خوفه من الصفرة ٍ العميمة التي احتلّت وجههُ· ولم يكن كمال الوحيد في إظهار هذا الانفعال بل عموم المودِّعين لركاب الحافلة وهم يلوحون· فالمغادرون ليسوا كالأعوام الخوالي، ينطلقون قصدَ السياحة والارتياح إنّما لأغراضٍ دفينة في طوايا النفوس؛ لا قدرة للبوح بها· كلٌّ ينشد هدفاً؛ وللجميع مآرب·

Pages