"في ذكرى الغبار وشانيل" للقاص المحامي صادق عبدالحق صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وهي مجموعة قصص تؤرّخ كما يقول، لنصف قرن وأكثر من السنوات مضت بين الوعي في العام 1946 والركود في العام 1996، ثم التوقف، متمنيا أن تكون المجموعة شهادة صادقة على الزما
You are here
قراءة كتاب في ذكرى الغبار و ((شانيل))
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
عصفور هرم
استيقظ مبكرًا·· مبكرًا جدًا بالنسبة ليوم جمعة· الكل نائمون· جرَّ بقايا نومه عبر الممر باتجاه الصالون لكنه ارتد إلى المطبخ· ألقى نظرةً ولم يدخل، ثم مضى إلى الصالون فالبراندا· أزاح الستائر وربطها بقدر الإمكان على النحو الذي لا يتعارض مع تعليمات زوجته؛ فأطلّت عليه عبر الزجاج وجهًا لوجه ثلة حمراء من الورد الجوري مشرئب الأعناق، ومن الجهة الشرقية بدت ظلال بيت الجيران والبيوت التي تليه تحجب أي شعاع مباشر للشمس التي في الأرجح خرجت من وراء الأفق، وكذلك تُرى السيارة في داخل الكراج (الأمر الذي يعني أن حسان قد استعملها خلال الليل كثيرًا أو قليلاً· الله أعلم إذ أن رفعة عندما عادت بها مساء أمس تركتها (بالطبع) خارجًا· الكل نيام لا زالوا ولا حركة في الشارع للسيارات أو لباصات المدارس أو للمارة شأن الأيام العادية في مثل هذا الوقت· السكون مستتب والصبح داكن يتنفس بلا صخب·
مضى إلى غرفة سمير تلك التي اصطنعها لنفسه مؤخرًا كغرفة خاصة بدلاً من مخزن الشتوي واستقل بها عن حسان وعوني وجده مستغرقًا في النوم· أحبَّ كثيرًا أن يقبله لكنه خشي إيقاظه وفكر أن يتمدد إلى جانبه ولو بحذر لكن من الواضح أن الفراش لن يتسع وستوقظه الحركة بالتأكيد·
عاد إلى الصالون وأشرعَ دفتي بابه الواسع على البراندا وكذلك أشرعَ كليًا النوافذ ثم جلس يستمع لنشرة أخبار السابعة وأقوال الصحف:
حفل استقبال في البلازا بمناسبة مرور 47 عامًا على قيام دولة الرب بعد أن تأخر قيامها 3 آلاف سنة ثم - ويا لعجائب الصدف- تقوم وتتحقق فقط في حياته هو!! لماذا؟ [ وفي الافتتاحيات: ]تواتر على أن المسؤول والحواريين قد تلقوا الوحي (ونقلت الصحف ذلك الوحي حرفيًا) فإذا هو وحي واكتشاف وتدبير لا مثيل له، وإذا هو وضعٌ للنقاط الحائرة على الحروف النافرة[·
وفي أخبار ما وراء البحار أن الجعجاع العجوز ذو الوجه المعجوني يرى أنه لا بد من تفوق نوعي لدولة الرب على جميع دول المنطقة· لماذا؟ لأن حفظ السلام يقتضي ذلك··· نعم وأخبار أخرى متفرقة·
لا بد له، إذن، من فنجان قهوة بالحليب· اتجه إلى المطبخ فإذا زوجته (يا للعجب) تجلس في المقعد الموالي لمدخل المطبخ وكأنما هي تنقِّب النوم عن عينيها لا زالت أو كأنها مُقَطَّره شعر بتعاطف خفيف لا يخلو من الحزن·· وفكر: أم لعلها كانت تظن أنه خرج أو كان سيخرج حالاً··· يخرج بالسيارة ويغيب طيلة النهار وأينما شاء بينما تظل هي حبيسة الدار والأولاد؛ فبادرت للإعلان عن يقظتها· لم يجد مناصًا رغم كل ما بينهما من صمت من:- صباح الخير· ولا يدري إن هي أجابت أم لا، لم يتأكد· دخل إلى المطبخ وحضّر فنجانًا من القهوة، ولأن مقتضيات الذوق - وبصرف النظر عن أنهما متخاصمان منذ الليلة الماضية (أو منذ الأزل) لا تسمح له بعمل فنجان قهوة واحد فيما هي على بعد مترين منه دون أن ياخذ ذلك في الاعتبار فقد زعم لنفسه أنها لا تحب القهوة بالحليب صباحًا ولذلك وضع لها فنجانًا وترك غلاية القهوة على النار الخفيفة وأعلن: - إذا أردت قهوة بلا حليب·
ومضى إلى البراندا يكمل سماع نشرة الأخبار وأقوال الصحف·
أول من جاء إليه في البراندا كان سمير الذي دسَّ نفسه إلى جانبه على الصوفا الطويلة متسائلاً أو متابعًا تساؤله منذ الليلة الماضية فيما إذا كان لا زال مصممًا على رحلة بيروت في عطلة الصيف، وهل هو سيختار رحلة فندق الـ 3 نجوم من أجل توفير 40 دينارًا؟ وكيف هي بيروت في الصيف، وهل سيكون الفندق على البحر؟ وكم بقي على الموعد؟ وألا يمكن تقريبه؟· قبّله واستعذب حضوره الجميل فوق جمال الورد الجوري··· إلا أنه سرعان ما فكر بأن سمير ما كان يجيء ويندس بجانبه أولاً لولا حديث وهاجس الرحلة المرتقبة، وربما كان سيظل قرب أمه طيلة فترة تثاؤبه الصباحي هذا··· لماذا هذا العكروت لا يندفع إليه إلا عند الحاجة بينما هو يلتصق بأمه في كل حين أولاً·
بعد قليل ظهرت سيقان عوني وشعره المتطاير بلباسه الداخلي·ألقى تحية الصباح فردَّ عليه· عوني محب ودود يأتي دائمًا ويلقي التحية راغبًا بل يبادره بقبلة رغم أنه لم يعد صغيرًا· ردَّ عليه متبرمًا من احتمال إصابته بالبرد مع هذا الرداء الخفيف ولسعة الصبح، ومن أنه لا يسمع الكلام بل وينام بالملابس التي عاد بها من اللعب ليلاً··