تمثل رواية "القطيعة" للروائي السوري خليل النعيمي مرحلة مغايرة في الرواية العربيّة المعاصرة، لا تكتب للحكي، أو لتصف أو لتسلّي أو لتعظ أو حتّى لتنتقد، بل لتنقض وتهدم وتسعى لتحقيق تغيير جذريّ، وقطيعة مع كلّ ما هو سائد في الرواية والفكر والقيمة والبنية الأدبيّة
قراءة كتاب القطيعة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
وتَتَكَرْكَرُ الجاموسة· تَتَكَرْكَرُ، والماء يدخلها، وهي تدخل الماء: أوفْ المية زينة· حارة· وَحْلها كثير· وعودانها تلزق بالجسد والروح· وتومىء من بين الماء، على الورادات: المية هينْ عجيبة· فيها شيء يدغدغ· وفيها شيء يعض· وفيها ذيول مثل ذيول الخيل· وشَغْلات مثل شَغْلات الزِلْم· والماشافَتْ تجي تَشوفْ· ويملأ تنفسها الفضاء· وأحس أشفارها العميقة تتحرك مثل ألسنة الحشرات الملتهمة وهي تداعب الفريسة والقرار· ويظل الماء يرتفع· يرتفع، حتى يغرق الماء في الماء· ولا يبقى منها إلا الكتفان النافرتان، تسلقهما الشمس المجنونة سَلْقاً: شمس الجزيرة العاتية المتسلطة· وخلسة بعد خلسة، أَشْهَلُ رأسي هائباً ومريراً· ألاحق اللعبة والمسار· أتابع الجسد المهيب المستلقي على الماء· ومن خلل الأشجار الخاضعة ببلادة لسلطة الحر والهجير، أتملَّى الجُثوم والحُسوم، أتَسَقَّطُ ارتسامات الحائط الأبيض المُعَمّرِ من حجر الجِثّان(3)· الحائط المهدد، منذ الأزل، بالسقوط، والذي يبقى، مع ذلك، واقفاً باتزان! وكالرُّغاء المسحور أسمع، في العمق، بعض لَهيجي: جوعان، يُمّا جوعان· وسريعاً، يضيع ذلك الغثيان الرتيب في الضجيج الأصم: ضجيج أحياء الجزيرة المسعورة· الأحياء التي لا تكف عن التكاثر والالتهام· أحياء الشجر الذي يتشاجر· آكل الجزيرة والريح· الشجر الحارس· نهاره عابس· وليله دامس· هو الآخر، صار يصيح· يدل على العابر والسائر· شجر نَمّام! شجر الجزيرة اللعينة· جزيرة ابن جليوي· جزيرة ابن الكلب· العالم كله لابن جليوي، يا خلق! يا ناس؟! له الخابور· وله الشواطىء والأرياف· له الغَرَب والحور، ومساكب البصل والفجل والرشاد· له، أيضاً، حقول الحنطة والشعير ومَطَشّات العدس والأقحوان· له النوء والضوء والماء والرواء· وفجأة ينبثق الدوار: الخوض يتلاحق والسطح يتساحق· وفي الفجوة يتراءى لي الجلد· وللجلد مرأى آخر! الشجر أخضر· البقُّ أبيض· الخنافس سود· الأسماك حمر· العشب أبلق· الماء لُحْميّة· لكن الجلد الطالع والمسحوب له الألوان كلها·
وله الأشكال كلها· ومنه تفوح جميع الروائح والأحماض· الجلد الملعون· جلد الجاموسة الراكبة الماء ركبا· وكالقنفذ العَسَّاس أحمي الرأس بالغصن الظليل· وأدع العينين تتسلقان حِبال الشمس حتى الغياب، وأنا أتختل بين الشجر الكظيظ: شجر الجزيرة المحمية من هنا ومن هنا بالماء· جزيرة البَقّ اللحَّوح والضفادع النَقّاقة وحَيَايا الماء المسعورة والأسماك النهمة وأحياء الكون الأخرى والزنابير المتوحشة المجنونة· زنابير ابن جليوي· زنابير ابن الكلب· الواحد منها يأخذ الآخر حتى الموت· يركبه· يَعَضّه· يَفُضُّه· ويرخ الثغْر ويضرْخ واهاً! واهاً! وهو يرى إلى العينين تمتلكانه امتلاكاً لا حدود له، ولا قيود·