تمثل رواية "القطيعة" للروائي السوري خليل النعيمي مرحلة مغايرة في الرواية العربيّة المعاصرة، لا تكتب للحكي، أو لتصف أو لتسلّي أو لتعظ أو حتّى لتنتقد، بل لتنقض وتهدم وتسعى لتحقيق تغيير جذريّ، وقطيعة مع كلّ ما هو سائد في الرواية والفكر والقيمة والبنية الأدبيّة
قراءة كتاب القطيعة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
وأعطي وجهي كله للتراب· ويتنحنح عباس من جديد:
آه على كاس شاي ساخن أُزيْتُ به حلقي، آه! ويروح الصوت بعيداً· ويجيء الصوت· وتكبر الدنيا· وتصغر· ويتجمع الكون كله، ويتلاشى· ويغدو الخابور خيطاً من الوَبَرِ· متيناً ليّناً· ولا يكفُّ عن السيلان· وتستقبلني القاع بصمت· دون احتجاج أو لجاجة· واستدير فوقها· وتستدير· وانظرها بعينين متوحشتين، ولا أرى إلا الضياء الباهر، والفعل العنيف· وشيئاً فشيئاً افتح فمي كفم الزقزوق، ليسقط فيه، دون اهتمام، طرف الثدي الدهين· ثدي كَهْلة اللين والعرقان، ذو الجلد الأملس الثخين· وأذوق الحلمة: مالحة، حامضة، ومريرة· تملأ اللسان لزجاً ومخاطاً· وأحس رأسي مَدْكوكاً· يجثم الشيء الهائل فوقه، باستمرار: شيء معتم· فاغر فاه· وبلا قرار! واجدني اختنق· لا يفيدني التململ والحوصان شيئاً: الشيء الغريب يحيط بي إحاطة السوار بالمعصم· ومن هنا وهناك، يجللني العرق والنز· عرق العصر الشديد، وهو يسقي ثنايا الأرض ثنية ثنية: دير المي هين· ودي المية هناك· سد الجال· اقطع المية· اقطعها: الأرض ارتوَتْ· الأرض إلتوَتْ·
إلتوت!؟ وأفزُّ·· أفز: عيونك حُمْر مثل الدم! فِراشُ عباس خالٍ· الأفرشة الأخرى يدفئها الفساء والضراط: فساء الفجل الحار، وضراط العدس الثخين· ومثل الديك الصغير أنطُّ تاركاً كل المكان· وعلى صخرة الجِثّان البيضاء البعيدة أقف· أمد عنقي إلى الأفق· أرى في العرش ضباب الشمس التي ستطلع بعد قليل: أبيض، نحاسياً، بطيء اللمعان· وأرسل بدني كله إليها· استقبل طلائعها النفاذة· أتَنَشَّقُ، عميقاً، هبوب الفجر النقي· ودفعة واحدة، استدير: آه! غوبران كله يجثم، تحت الفجر، في الوادي المليء خراء وأحجاراً ونفايات· تَلُفُّه غَفْوة عميقة، طويلة، وبائسة· أحصنة السقائين لا زالت تهمهم في مرابطها· ودواب هميدي، لا زالت مربوطة إلى معالفها· وبناته العديدات لم يبدأن، بعد، حركاتهن العصابية الفاجرة، التي لا تنم إلا عن عدم الاكتفاء· والحسكة، البلهاء، كلها، مزتوتة على شاطىء الخابور، مثل السمكة المقتولة: لا حس ولا حركة ولا حياة· بها، يحيط قطن ابن جليوي، قطن ابن الكلب: أخضر· نقياً· شديد الرواء· أغصانه المزهرة تتلاصق بإخاء: بين الغصن والغصن غصن آخر!/ عباس· وعباس سرى يدور على شغل يأكل منه· منه يتجوز· يبني بيته منه· ومنه يربي أولاده وأهله والدواب· بس الشغل وين؟! القاع كلها مزروعة، ومحددة·
والعسكر تحمي الحدود / عباس·