رواية "محمّد صالح وبناته الثلاث- شهربان، وخير النساء، وفاطمة جل" هذه رواية قد تنطبق أحداثها وشخوصها وخطوطها العامة على الكثيرين ممن سكنوا في فرجاننا، وعاشوا معنا في السراء والضراء، وشاركونا همومنا وأحلامنا، وتقاسموا معنا موائد الطعام ومقاعد الدرس وملاعب الل
You are here
قراءة كتاب محمد صالح وبناته الثلاث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
تقديم
هذه رواية قد تنطبق أحداثها وشخوصها وخطوطها العامة على الكثيرين ممن سكنوا في فرجاننا(1)، وعاشوا معنا في السراء والضراء، وشاركونا همومنا وأحلامنا، وتقاسموا معنا موائد الطعام ومقاعد الدرس وملاعب اللهو، فصاروا جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي للكيانات العربية القائمة على ضفة الخليج الغربية، بل صاروا يبزون السكان الأصليين لهذه الكيانات في عروبتهم ووطنيتهم وولائهم للأرض·
إنها رواية جُمعت تفاصيلها من حكايات وقصص وأخبار رواها شفاهة كبار السن من عرب الْهُولَة الذين لم يسلط ما يكفي من الضوء على تاريخهم وحكاية هجراتهم ما بين ضفتي الخليج، طلبا للرزق، أو هروبا من القحط، أو حماية للذات من التمييز العرقي والمذهبي·
إنها توليفة من العواطف والمشاعر والأحلام والطموحات والمغامرات والتحولات لهذه الفئة من الناس التي اختلف المؤرخون في أصولها، وإن كان الرأي الأرجح والأكثر شيوعا في أوساط سكان حوض الخليج ومؤرخي الخليج المشهورين والعديد من الأكاديميين العرب حول الْهُولَة هو أن أصل التسمية مشتق من الكلمة العربية تحول فهو متحول، والتي تفيد هنا في هذه الحالة التحول والانتقال من ساحل الجزيرة العربية إلى الساحل الفارسي· ونظرا لعدم نطق العجم لحرف الحاء العربي قلب إلى هاء، فأطلق العجم على هؤلاء العرب المنتقلين (المتحولين) لفظ هولة بدلا من حولة(2)·
ولعل ما يعزز هذا القول نص وثيقة مؤرخة في 21 رجب 1113 للهجرة المصادف ليوم 23 ديسمبر 1701 للميلاد، وموجودة في دفتر المهمة رقم 111 في الصفحة 713 من أرشيف رئاسة الوزراء العثماني· هذه الوثيقة أشارت إلى العرب الساكنين في موانىء جنوب الساحل الفارسي للخليج، وتحديدا الأماكن القريبة منبندري كنك ولنجة بكلمة حُولة وليس كما هو شائع أي هُولة(3)·
إن قصة محمد صالح وبناته الثلاث، لئن فرضت تقنيات السرد الروائي التلاعب في بعض تفاصيلها ومجرياتها وأسماء شخوصها، فإنها قصة هي أقرب إلى الواقع منها إلى الخيال، بمعنى أنها تجسد أوضاعا وتصف حالات وتغوص في وقائع وتحولات مرت بها أسر كثيرة من عرب الهولة المنتشرين في البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت والساحل الشرقي من المملكة العربية السعودية، بغض النظر عن ألقابها وانتماءاتها الجهوية والقبلية· فسواء كان هؤلاء من العَوضية أو الَبَِسْتَكِيّة أو الكوهَجية أو الجَناحية أو العِمادية أو الْفَلامَرْزية أو اللنجاوية أو القبندية أو الهُرمودية أو الزرَعونية أو البُوتشيرية، أو الأنوهية، وسواء انحدروا من قرى كرمستج أو خـَـلـُوْر أو لاوَر أو باغ أو مُقام أو بَهْدِهُ أو دشت أو خمير أو خُـنْج أو كوخرد، فهم يشتركون في عوامل كثيرة أهمها إسلامهم الوسطي البعيد عن الغلو، وتمسكهم بمذهبهم السني الشافعي، ومحافظتهم على الكثير من التقاليد والأعراف والعادات والمظاهر غير المختلفة عن التقاليد والعادات العربية، وحرصهم على روابط المصاهرة والنسب بين بعضهم البعض، وتحدثهم بلهجة فيها الكثير من المفردات العربية الصحيحة - وإن كانت تلفظ بطريقة مختلفة كنتيجة لتأثر لسانهم لزمن طويل بالمفردات الفارسية· إلى ذلك يشترك كل هؤلاء بمختلف تسمياتهم في مثابرتهم واجتهادهم من أجل بلوغ مراتب معيشية أفضل، وأوضاع اجتماعية أرفع ومستويات تعليمية أرقى ضمن المجتمعات التي استقروا فيها بعد نزوحهم من سواحل جنوب فارس العربي وبراريها، في هجرات متتابعة، ولا سيما بعد حملة كشف الحجاب وقوانين الجمارك والجوازات، وبعد تطبيق قانون التجنيد الإلزامي(4)·
ونظرا لأن كتابة رواية محورها هذه الفئة من مواطني دول الخليج العربية، تطلبت الدقة حول أسماء الأماكن والمواقع والقرى والبلدات والقبائل، وبذل الجهد حول الاطلاع على تفاصيل العادات والتقاليد والأعراف واللهجات المحكية ومظاهر الحياة السياسية، والاجتماعية والثقافية، والاقتصادية في تلك البقاع أو البقاع التي هاجروا إليها على الضفة الغربية من الخليج، فقد اعتمد الكاتب، من أجل أن تكون لروايته مصداقية أكبر، على الكثير من مشاهدات ومدونات وروايات كبار السن من رجالات ساحل فارس العربي، وأعيانه وعمداء عوائله القاطنين في المنامة والمحرّق والدوحة ودبي والشارقة والدمّام والخـُــبَر والجـُـبيل من جهة، واعتمد من جهة أخرى على العديد من الكتب والدراسات والمؤلفات والوثائق التاريخية المنشورة· فلكل الرواة وأصحاب السرد والمدونات، ولأبنائهم وأحفادهم خالص الشكر والتقدير على تجاوبهم وأريحيتهم· وكذا لمعدي ومؤلفي الكتب والدراسات التاريخية التي لولاها لما استطاع مؤلف الرواية تكوين صورة متكاملة عن حياة مجتمعات لم يعش فيها أو يزرها· ومن هنا فقد اضطر المؤلف، كيلا يبخس حقاً أو ينسب إلى نفسه جهداً، إلى تضمين الهوامش - ضمن أشياء أخرى - أسماء المراجع المكتوبة التي استند إليها، مخالفا بذلك العرف السائد في كتابة الروايات·