You are here

قراءة كتاب الركض وراء الذئاب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الركض وراء الذئاب

الركض وراء الذئاب

رواية "الركض وراء الذئاب"؛ تدور احداث هذه الرواية في اديس ابابا ، حيث تبعث وكالة الصحافة الاجنبية في نيويورك احد صحفيها الى افريقيا لكتابة تقرير عن مثقفين فارين من بغداد للإلتحاق بالجيش الاممي الذي اسسه منغستو في اثيوبيان وهناك يلتقي هذا الصحفي بزمنين: زمن

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
لعبة مواقع
 
نعم إنها لعبة مواقع، ومن جهات متعددة بطبيعة الأمر·
 
أنا لا أسوق هذا المثال من تفكيري بهذا الأمر، لأنني أعمل خبيراً بشؤون الشرق الأوسط في الوكالة، فقط، إنما من حياتي أيضاً· من تجاربي· من نشأتي· من هجرتي· من زواجي بماري· من علاقتي مع الأولاد· من موقعي في الوكالة· من جلستي أمام التلفزيون· من حبي للكعكة والشاي في المساء، من كرهي الشديد لمشهد زيت البطاطس المقلية··· وأشياء وأشياء كثيرة، أخرى· أشياء ربما لا يصحّ التكلم عنها الآن، ولكنها تفرض نفسها علي حتى في اللحظة التي أحاول أن أخفيها عنكم· وهكذا، أنتم ترون أن حياتي فَرَضتْ عليّ بطريقة ما، التفكير هكذا· ويا ما قلت لزوجتي إن حياتي هي التي فَرضتْ عليّ التفكير بالمواقع، لا موقعي أنا مثلاً داخل الوكالة، بالنسبة للناس الذين أعمل معهم، فقط، إنما أحيانا التفكير بموقعي الأصلي ـ فقد جئت من موقع مختلف ـ والحرب هنا وهناك هي أيضاً لعبة مواقع لا أكثر، حتى لو لم يكن الموقع حقيقياً، وهو بعد ذلك شيء مفترض مثلاً، وخيالي، ولكنه يمتلك قوة الحقيقة والواقعية، بالتأكيد، والناس لا تفكر به من نشأته، إنما من نتيجته·
 
وهكذا كانت حياتي في هذا المكان الجديد، المكان الواسع والمريح والكثير الإضاءة، هو لعبة مواقع لا أكثر· ما الذي تغير فيّ؟َ كنت أسأل نفسي·· لا شيء· ولكن الموقع تغير· وهكذا كان علي أن أقفز نحو الموقع التالي· ومع ذلك لا أصرخ بوجه ميمي قائلاً لها:
 
 ـ ميمي لقد تغير الموقع وصار أفضل· ميمي إنها ثورة·
 
ثورة ـ كنت أحاكي نفسي ـ ثورة· أليست هذه ثورة أيضاً، تصفية الموقع القديم· أليست هذه ثورة أيضاً؟ ولكني في الوقت ذاته كنت أسأل نفسي:
 
ـ كيف تحول الثوار من موقع الثورة إلى موقع المقهى؟ كيف تقاعدوا؟ 
 
لقد تقاعدوا مبكراً أليس كذلك؟ تقاعدوا وهم ما زالوا شباباً! هكذا كنت أزجي الوقت كله تقريباً بالتفكير بالثورة وما جرى من أحداث بعدها· فما بعدها هم المهم ذلك الوقت·
 
هكذا كنت أجلس كل يوم، تقريباً، بعدما أعود من الوكالة، بعدما أعود متعباً من عملي من الوكالة، أدخل شقتي التي أحبها، أخلع جاكتتي وأعلقها على المدخل، أخطو خطوات قليلة ثم أهبط ثلاث درجات إلى الصالة· أجلس على الأريكة السوداء المصنوعة من الجلد الفاخر التي اشترتها ميمي من ميداس· أنظر إلى الحائط المطلي باللون التفاحي الفاتح والمواجه لي· أنظر إلى التيبل لامب بالشيد الأخضر على الطاولة· أنظر إلى الكتب المجلدة في المكتبة إلى جواره· أنظر إلى المزهرية التي تحمل زهوراً نضرة من الجهة الأخرى· أنظر  إلى البيانو الذي لا يعزف عليه أحد· أنظر إلى كل الأشياء التي أحبها في الصالة· ومن ثم أفكر بشيء جديد، أقول في نفسي:
 
 شيء عظيم إني انتقلت من ذلك الموقع ـ الشقة المقابلة لحائط أسود مبقع ـ إلى هذا الموقع، في الدرب السادس في هيدسون ـ ولكن هل سيستمر هذا الأمر هكذا لفترة طويلة؟ أم إني سأضجر من هذا المكان أيضاً، وسأطمح إلى تغييره بموقع جديد؟
 
حينما جاءت الرحلة إلى أفريقيا فرحت جداً، لا لأني كنت أفكر بالثورة على أنها لعبة مواقع، وإني سأتعرّف قليلاً على أصل المشكلة، ومعرفة ما الذي كان يفكر فيه الثوار ذلك الوقت، إنما لأني ضجرت من موقعي في الوكالة، وضجرت من عيشي في هذا المكان، وضجرت من النساء البيض، وضجرت من أكلة الماكدونالد والهمبرغر، وضجرت من الناس الذين أعمل معهم، وصار لدي حنين شديد إلى أفريقيا، وإلى أناس جدد، ونساء غير اللواتي أعرفهن، والكتابة في موضوع جديد· أخذت أحن إلى موقع جديد لم أكن أعرفه من قبل·

Pages