You are here

قراءة كتاب الركض وراء الذئاب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الركض وراء الذئاب

الركض وراء الذئاب

رواية "الركض وراء الذئاب"؛ تدور احداث هذه الرواية في اديس ابابا ، حيث تبعث وكالة الصحافة الاجنبية في نيويورك احد صحفيها الى افريقيا لكتابة تقرير عن مثقفين فارين من بغداد للإلتحاق بالجيش الاممي الذي اسسه منغستو في اثيوبيان وهناك يلتقي هذا الصحفي بزمنين: زمن

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
قصة الأولاد أيضاً
 
الأمر أحياناً مرهون بأولادي أيضاً، وهذا الأمر يجب أن لا أهمله أبداً·
 
وعليّ أن أخبركم أيضاً، طالما أني أتكلم عن المواقع، وسيخطر في بالكم على الدوام أني جئت من الشرق الأوسط، ومن العراق تحديداً، وهذا ما يجعلني أتحدث عن الأولاد بطبيعة الأمر، لأنهم عاشوا هنا في أميركا، فهذا الأمر دون شك مهم جداً، فهل أولادي يشعرون بأنهم أيضاً مثلي جاءوا من الموقع الذي جئت أنا منه بالذات؟ هل يشعرون بأنهم ينتمون إلى بلاد والدهم، أو ينتمون إلى ثقافته؟
 
أقول لكم: 
 
ـ إن أولادي لا علاقة لهم بالشرق الأوسط أبداً، ومن جهتي لم أنعش معلوماتهم بأي شيء إيجابي آخر عن بلاد أبيهم، ولم أقدم لهم أية معلومة عنها سوى أشياء بسيطة· ومن جانب آخر جعلتهم يرتعبون من كل شيء قادم منها، وفسرت لهم كل أحداثها من منظور مخيف ومظلم واحد· أما زوجتي ميمي فلم يكن يهمّها ما تكونها تلك البلاد البعيدة· وكلّ ما تعرفه عنها، أنها بسببها نحن نكسب المال· فلولا معرفتي بهذه البلاد التي يجهلها الأميركيون تقريباً، فما وجدت عملاً جيداً، ولا كسبت مالاً كثيراً·
 
وهذا الأمر يستحق التكلّم عنه قليلاً:
 
في الواقع يمكنني أن أقول: كنت أكسب امتيازاتي بسبب أصلي الشرق أوسطي لا بسبب أمريكيتي· فقد انتعش عملي كثيراً، وازداد الاهتمام بي بعدما بدأت المشاكل تعم الشرق الأوسط، وأصبحت حياته السياسية خطيرة· فوضعي المالي مرتبط بتذبذبات السياسة هناك، فكلما تفاقمت الأحداث في تلك البلاد، كلما وجدت هنا من يطلب مني تحليلاً سياسياً للتلفزيون، أو تقريراً عن الأحداث للوكالة، أو مقالة لإحدى الصحف الشهيرة· وهكذا أجد نفسي أكسب بشكل أفضل بكثير كلّما كانت هنالك حروب خطيرة، وقتال أهلي، وتهديدات جديّة للمصالح الغربية· ربما تظنّون أن هذا الأمر يخصّني وحدي· أبداً· هذا الأمر لا يخصّني وحدي· فوكالات الصحافة والتلفزيون ومعاهد الدراسات التي يسمّونها الثنك تانكس تتذكّر فجأة هذه النخبة الشرق أوسطية المهملة، تمدها الأولى بالمعلومات وتقابلها الثانية بالمال· وكلما كانت الأحداث والإنقلابات أخطر كلما كانت كمية المال أكثر· كما أن هذه النخبة المهملة والمتلفة وغير النافعة تجد في تلك الأوقات العصيبة من يهتم بها، ويحسن أوضاعها، ويغير من شروطها الاجتماعية والثقافية· 
 
لنقل ببساطة تجد في هذه الأيام من يغيّر لها من مواقعها، حيث تجد نفسها وقد أصبحت فجأة مهمة ـ لاحظوا الموقع هنا هو المهم ـ وبدلا من قضاء الوقت في المقاهي والكازينوهات أو البحث عن لقمة الخبز في أعمال لا علاقة لها باختصاصاتهم، ستجد نفسها فجأة في الاستوديوهات، ومرتبطة بمواعيد مع الصحف والمجلات وغير ذلك· وكما تعرفون أن الميديا مهمة هنا جداً هذه الأيام، وهؤلاء المثقفون يصوغون الرأي العام لتكون الاجراءات السياسية مطابقة تماماً لها، ولا بأس أن تدفع هذه الشركات كمية من المال أكبر طالما أنها ستربح أكثر· هكذا هم ينظرون للأمور، ولا بد أنهم أيضاً سيفرحون بتفاقم الأحداث هناك، أقصد رؤساء الوكالات والصحف والتلفزيونات والمشرفون عليها، مثلهم مثل زوجات المثقفين الشرق أوسطيين، فلا بد أن زوجات المثقفين الشرق أوسطيين أيضاً سيفرحن لتفاقم الأحداث في بلدانهنّ كثيراً· لماذا؟
 
في الواقع، وهذا أمر جوهري هنا، ربما، لأنهن سيشعرن حينما يصبح الأزواج مهمين فإنهم سيكسبون كثيراً، وهذا الكسب دون شك ليس شيئاً بذاته، إنما عن طريقه سوف يغير هؤلاء الناس من شروط سكنهم، وحالات معيشتهم، ويستطيعون السفر، ويستمتعون بالمال بتغيير مواقعهم القديمة بمواقع جديدة، ومن هنا أيضاً سنرى لعبة تبديل المواقع· لاحظوا: إن الأمر لا يخص تغيير السياسات فقط، إنما يشمل حتى الناس، فهذا الأمر ربما ترونه شاملاً ويحدث على نحو غير محدود، فما أن يحدث حدث خطير في العالم، ستجدون أن التغييرات لا تطال المواقع الكبيرة، إنما المواقع الصغيرة وفي كل مكان، وهكذا ستشهدون فجأة: يهبط بعضهم جداً إلى مواقع متدنية، ويتراجع آخرون إلى أماكن لم يظنوا أنهم سيعودون إليها، وآخرون سيذهبون وسيحل محلهم آخرون· بعضهم يتزاحم مع بعض على مواقع متلاصقة· آخرون يتزاحمون على مواقع متباعدة· غيرهم سوف يتقدمون ويحلّون بها· آخرون ينتظرون· بعضهم بطبيعة الأمر تضرب معهم ضربة الحظ، وفجأة تجدونه في موقع لم يكن يحلم به من قبل أبداً· وبعضهم يسقط ويتهاوى إلى الحضيض·
 
ـ هذه هي الرأسمالية· قالت مديرة الوكالة·
 
أما السعادة بتفاقم الأحداث وتفجر الحروب والكوارث والانقلابات فهذا أمر غير مستبعد أبداً، نظرا لما رأيته من تجربتي وحياتي، ولا سيما في هذه الحالات، وفي هذه الأماكن بالذات، وأنا عن نفسي يمكن أن أقول ببساطة هذا حال زوجتي· في الواقع أنا لا أحشر أمر الزوجات هنا حشراً· ولكني أعترف أن زوجتي تفرح بشكل خفي بتفاقم الأمور· لا أقصد من كلامي هذا هنا الفضيحة أبداً، أو التشهير بزوجتي أو بزوجات الآخرين، إنما أتحدث عن شعور إنساني طبيعي، حتى وإن كنا نتفادى التفكير فيه، ولا نتحدث عنه لأنه مخجل ومحرج ولا أخلاقي· أنا أعتقد أنه شعور طبيعي، لا يمكننا أن نقبل به علناً ولكننا نتواطؤ معه سراً· وما يخفف الشعور بالذنب الأخلاقي أن زوجتي من جهتها لا تعرض هذا الأمر بشكل علني أمامي أو أمام الآخرين، لأنها تعرف جيداً، وربما أكثر من أي شخص آخر، أنه شيء لا أخلاقي، وغير مقبول بالمرة· وأنا أقول هذا الشيء بصراحة تامة، وأقول أيضاً إني اكتشفته اكتشافاً ولم نتصارح به حتى الآن· أقول اكتشفته· لأني لم أحدثّها به أبداً، ولم تحدثني به أو تعترف لي وكأني قبضت عليها وهي ترتكبه، مطلقاً، ولكني اكتشفته اكتشافاً ومن خلال مراقبتي لها أثناء حدوث أزمات أو كوارث في الشرق الأوسط، فما أن تسمع بواحدة من هذه المشاكل ـ وما أكثرها بطبيعة الأمر ـ حتى تراها تبدأ بالتفكير في تجديد المنزل، وتغيير الأثاث، وتحسين أوضاع الأولاد في الدراسة، والسفر، وما إلى ذلك·
 
كلما تتفاقم الأحداث في الشرق الأوسط كثيراً، أو كلما تتدهور الأوضاع السياسية هناك، حتى تبدأ زوجتي وعلى نحو مباشر بالتفكير في تغيير حياتنا وظروفنا وشروط معيشتنا، وتفكر بانتقالنا إلى منزل آخر· فهي تعرف ـ وهذا أمر طبيعي ـ أن ثراءنا يعتمد على تفاقم الأمور في هذه المنطقة، كلما كانت الأمور أسوأ هناك كلما احتاجوني هنا أكثر، كلما صعد الغليان الشعبي والسياسي وانغمست البلاد بالمشاكل والاضطرابات هناك كلما ربحت مالاً أكثر·

Pages