You are here

قراءة كتاب عباس كيارستمي: سينما مطرزة بالبراءة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عباس كيارستمي: سينما مطرزة بالبراءة

عباس كيارستمي: سينما مطرزة بالبراءة

هذا الكتاب لا يعتمد على التحليل النقدي لأعمال المخرج الإيراني الشهير عباس كيارستمي – وهي مهمة جوهرية، أساسية، وضرورية، لكنني لا أحسن القيام بها – بل يركّز بؤرته، هذا الكتاب، على ترجمة الحوارات التي أجريت مع هذا المخرج، المستمدة والمجمعة من مصادر مختلفة ومتع

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
- سافرت في محاذاة نهر النيل إلى السودان· واليوم، وأنا جاثٍ على ركبتيّ، أحمد الرب لما حدث لي وأنا في طريقي إلى جوبا، وهي منطقة غير بعيدة عن الكونغو الشرقية، إذ أصبت بمرض شديد، وكان عليّ أن أعود بأسرع وقت ممكن، إذا كنت راغباً في البقاء على قيد الحياة· لحسن الحظ، تمكنت من العودة إلى أسوان· في ذلك الوقت، كان السد لا يزال تحت قيد الإنشاء· الروس بنوا الأسس المتينة الصلبة، وكان هناك عدد كبير من المهندسين الألمان يعملون في الأجزاء الكهربائية للسد· واحد من هؤلاء المهندسين عثر عليّ بعد لجوئي إلى سقيفة ما· كنت مصاباً بحمّى عالية شديدة، حتى أني لم أعرف كم مضى على وجودي هناك· ذكرياتي عن تلك الفترة غير واضحة، ضبابية جداً· الفئران عضتني في مرفقي وفي إبطي· أذكر أني صحوت ذات مرّة ورأيت فأراً يجري نحوي ويعضني على خدّي ثم يعدو مسرعاً نحو ركن· الجرح لم يلتئم إلا بعد عدة أسابيع، ولا زلت أحمل الندبة·
في النهاية تمكنت من العودة إلى ألمانيا حيث حققت أخيراً أول فيلمين قصيرين· كنت قلّما أتواجد في جامعة ميونيخ، حيث من المفترض أن أدرس التاريخ والأدب، لكنني بالتأكيد لا أستطيع الإدعاء بأني كنت طالباً جاداً· كنت أكره الأدب في المدرسة، غير أني أستمتع بالإنصات إلى أستاذة في الجامعة هي على درجة عالية من الثقافة، وكثيرة المطالب· أعرف أنها منحتني استبصارات معينة لا زلت حتى الآن سعيداً بالحصول عليها·
كيف استجاب والداك إلى غايتك لأن تصبح مخرجاً سينمائياً؟
- لا ينبغي أن نتحدّث عن الوالدين بصيغة الجمع، بما أن أبي لم يلعب قط أي دور في حياتي· لكن في أغسطس 1961، بعثتْ إليّ أمي، إليزابيث، رسالتين في يومين متعاقبين، وكنت حينذاك في كريت· كتبت تقول أن أبي، ديتريش، قلق البال عليّ وأنه ينصحني بالعدول عن فكرة التحوّل إلى مخرج سينمائي، إذ أني، قبل مغادرتي ميونيخ، كنت قد أعلنت عن رغبتي بالعمل كمخرج سينمائي لدى عودتي من الخارج·
لقد سبق أن كتبت بضعة سيناريوهات، وأرسلت عدة عروض واقتراحات إلى عدد من المنتجين والمحطات التلفزيونية منذ أن كنت في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة من عمري·
لكن أبي كان مقتنعاً تماماً بأن مثاليتي سوف تتحطم في سنوات قليلة، لأنه ظن بأني سوف لن أحقّق أبداً ما أردت أن أكونه· لقد اعتقد بأني لا أملك الطاقة أو الدأب أو المثابرة، وإدراك المراد من العمل، للبقاء حياً في محيط صناعة الفيلم، الذي هو وسط خادع وشاق·
كيف كان موقف أمك؟
- أمي اتخذت طريقة فهم مختلفة، أكثر وعياً وحساسية· هي لم تطلب مني العدول عن الفكرة، بالأحرى هي حاولت أن تعطيني فكرة واقعية لما سوف أواجهه، وما أجلبه لنفسي، وما يمكن أن تكون خطوة حكيمة· شرحت لي ما يحدث اقتصادياً في ألمانيا الغربية، في ذلك الحين· وفي رسائلها طلبت مني أن أفكر في مستقبلي بعناية ودقة شديدة·· من المؤسف جداً أننا لم نتحدث أبداً عن هذا بالتفصيل، هكذا كتبت·
لكن أمي كانت دوماً مشجعة وداعمة إلى حد بعيد· كنت أهرب من المدرسة وأذهب بعيداً، مختفياً لأسابيع أحياناً دون أن تعرف هي مكاني· ولأنها تدرك بأني سأكون بعيداً لفترة من الوقت، فقد كانت تقوم على الفور بكتابة رسالة إلى المدرسة تقول فيها أني مصاب بداء الرئة· كانت تدرك حقيقة أني واحد من أولئك الذين لا ينبغي إبقاءهم في المدرسة لمدّة غير محدودة·

Pages