ينطوي كتاب الناقد د.
You are here
قراءة كتاب ثنائيات مقارنة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
وهكذا يظل الغموض محيطا بكلمة الثقافة والمثقفين، على الرغم من تعدد التعريفات والمفاهيم التي حاولت تحديد وظيفتها ووظيفتهم· وحين حاول الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر في كتابه المعروف (دفاع عن المثقفين) وضع تعريف للمثقف، لم يجد غير القول إنه (شخص يمثل حالة خاصة من جملة أشخاص يتحددون بوظيفة اجتماعية)·(2)
وسارتر يرفض أن يطلق كلمة مثقف على من يسميهم اختصاصي المعرفة الذين بدأوا بالتكاثر والنمو مع نمو الطبقة البرجوازية وتطورها· وهو ما جعل صورة هؤلاء ملتحمة عضويا بواقع التطور التاريخي في أوروبا، وغير منفصلة عن المشروع البرجوازي الطموح، الذي كان يجد في ذلك النفر من الناس، الذين يعملون بألسنتهم ورؤوسهم أكثر مما يعملون بأيديهم، أدوات ضرورية لحماية هذا المشروع، وتقديم التبريرات الفكرية والايديولوجية لديمومته ونشره والتخطيط له والتعريف بأهدافه·
علما بأن ما كان يسميه (هيغل) بـ(الوعي التعيس) سيظل سمة أساسية من السمات المرافقة لوضع هؤلاء المثقفين وتكوينهم الداخلي· وهو أمر يفرضه كون (النفي) الذي يشعر به هؤلاء شعورا غريزيا يمكن أن يتطور نحو مبدأ النقض، الذي يشكل خطوة ضرورية بحسب الجدل الهيجلي· أي ما يشكل في بعض مراحل حياة هذا المثقف موقفا مناقضا أو غير منسجم كليا مع الموقف العام للسلطة الزمنية والدينية القائمة·
غير أن من الأمور اللافتة للانتباه في تطور الثقافة الأوروبية أنها بدأت منذ الثورة الصناعية تميل إلى الارتباط بالسلطة القائمة ارتباطا بنيويا· وقد بيّن (رايموند وليامز) في كتابه (الثقافة والمجتمع) أن فكرة الثقافة واللفظة نفسها قد برزت في التفكير الإنكليزي، في الفترة التي توصف عادة بـ (الثورة الصناعية)·
ومنذ أن نشر (كارليل) مقالته المهمة إمارات الزمن (SIGNS OF TIME) عام 1826، ترسخ في التفكير العام لكثير من الكتاب الأوروبيين ما كان هذا الكاتب قد عبّر عنه بقّوة في تلك المقالة عن آلية العصر الحديث:
إذا اقتضى الأمر أن نصف عصرنا هذا بكيفية واحدة، فلن يغرينا أن نسميه عصرا بطوليا، أو تعبّديا، أو فلسفيا، أو أخلاقيا· إنما نسميه العصر الآلي خلافا لكل العصور· فهو عصر الآلات بكل معنى ظاهر أو باطن لهذه اللفظة··· فلا شيء يتم الآن بطريقة مباشرة، أو تصنعه اليد، فكل الأمور تتحقق على أساس قاعدة أو اختراع محسوب
وقد توضحت هذه القضية، بادئ ذي بدء، بالاستناد إلى التغيرات في طرق الإنتاج:
يطرد الصانع الحي من حانوته في كل مكان ليتبوّأ مكانه ما هو أسرع منه، وما لا تنبض فيه الحياة· ويسقط النول من أصابع النسّاج، ويقع بين أصابع حديدية تدفعه إلى العمل بطريقة أسرع·


