المجموعة القصصية "بعيدا عن الذاكرة" للكاتبة أمنية أمين، نقرأ من أجوائها:
You are here
قراءة كتاب بعيدا عن الذاكرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

بعيدا عن الذاكرة
الصفحة رقم: 7
أتذكر أول مرة تراءت لي واضحة ·· مشرقة ·· تلك النظرة التى أسرتني على صفحة ماء النهر ·· نظرت فرأيتها هادئة ·· جميلة ·· هذه هي، وهذه أنا ·· ترى من منا الذى أسر الآخر ·· مددت يدى كي أقطف النرجسة التى صارت ·· غاصت يدي في المياه فاختفت الصورة ·· ذهبت بعيداً وقد غدا هو يسكن داخلي مثلما كان يسكن في المرآة !
مازالت النرجسة بيدي، أشدد قبضتي عليها حتى لا تطيرها الريح وتنشر زهورها بعيداً بين ثنايا الفؤاد· اقتربت من شط النسيان، لم أجرؤ على الاغتراف منه، فالمعرفة لها مذاق تمتزج فيه العذوبة بالعذاب ··
أريد نسيان تلك النظرة ·· تُرى ماذا ستجلب الذاكرة مرة أخرى ؟! لكني مازلت أتذكرك وأتذكر عالم ما قبل النسيان ·· غابة الروح مترامية أمامي ·· ها أنذا أتذوق التفاحة فيسقط القناع ·· ألتقط ورقة التوت لأختبىء خلفها من تلك العيون التي تخترقني، بينما يداي تتلمسان ذلك الضلع لعلي أعثر على أجزائي المبعثرة فيه ولكني لا أحس بأي فرق· أجمع حبيبات التراب التى عُجِنَ منها ثم نُفِخَت فيها الروح· أجدك واقفاً وحيداً قبل ظهوري ·· أأنت سعيد وحدك ؟ ها أنت ذا تبحث عني !
أتذكر الآن حين اقتُلِعَ منك ذلك الضلع عند نهر النسيان ! ها هي النرجسة تنظر إليك شاهدة على هذا المشهد الأخير الذى يعيد نفسه كلما نظرت إلى ذلك الوجه ·· وتلك العينين، دققت النظر فارتعدتا من ارتسامة ملامح الوجه في الذاكرة· أتذكر تلك الغَرفة الأولى التي اغترفتها من النهر ·· وذلك الصوت الهادئ النبرات وهو يصدحُ هناك ·· وتلك النرجسة التي اقتطفتها لأهديها إليك ! نرجسة بيضاء كما الذاكرة لا تنمو إلا على شاطىء النسيان ·· بيضاء مثل ذلك الجسد الذي يختبئ وراء ورقة التوت هناك بعيداً عن سجن الحاضر ورِق الكلم·
نزلت لأغتسل لأول مرة فرأيته ينظر إليّ من خلال الماء· ابتسمت فابتسم ·· تُيّمتُ به ·· قلت له: من أنت ؟ فسمعت صوته يدوي أنا ·· أنا ·· أنا ··
مددت يدي لأهديه النرجسة لكنه اختفى· بحثت عنه حولي فلم أجده· صحت: يا 'أنا' أين أنت ؟ أجابني بصوت خافت: أنا أقرب إليك من حبل الوريد أخذت أتلمس بيدي مكان ذلك الضلع علّي أعثر عليه فيّ ·· ولم يكن ثمة فرق· سقطت النرجسة على شاطئ نهر النسيان ·· وأنا أبحرت بعيداً في الأعماق علّي أجد مكاناً لست فيه، وكلما اقتربت من الشاطئ رأيت النرجسة ماثلة مكانها من غير سوء لتشهد على ذلك المشهد الأخير والصوت ما زال يدوي أنا ·· أنا ·· أنا··
نعم، هذا أنت ·· أراك جيداً، أتذكر تلك النظرة ·· تلكما العينين أغمض فأراهما ·· أفتح عيني فأراني !
نظرت حولي ·· فتشت في كل الجهات ولم يكن ثمة غيري !
- لا معنى لحاضر لا وجود لك فيه·
- قبلك كنت وجوداً بلا ذاكرة، بعدك أصبحت ذاكرة بلا وجود·