You are here

قراءة كتاب شخصيات وذكريات - المجموعة الثانية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شخصيات وذكريات - المجموعة الثانية

شخصيات وذكريات - المجموعة الثانية

ذكرياتنا هل تموت؟ ربما نفقد بعضها وربما يخفت البعض الآخر منها لكن الجزء الحبيب والعميق في النفس يظل الصدى يهز شغاف القلب بين الحين والحين··

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
عبدالرحمن منيف
 
أبعد من الذكريات(1)
 
حين قرّر يوسف العاني جمع هذه المراثي بين دفتي كتاب، لم يخطئ· جمعها ليقول لنا أن هذه الكتابات التي نُشرت في الصحف، كتحيات وداع للذين غادرونا من الفنّانين والاصدقاء، لم تكن مجرد باقات زهر توضع على قبورهم، اعترافاً بما قدّموا، أو تأكيداً لعلاقة إنسانية، بل دعوة لأن نمتلك ذاكرة تاريخية·
 
فالحيا اليومية بصخبها، وتلاحق الأحداث فيها، وأيضاً بهذا التوالي الموجع لموت الأصدقاء والمبدعين، يجب أن لا يجعل الغياب سبباً للنسيان، أو لانقطاع الذاكرة·
 
صحيح أن المبدع حاضر ومستمر بمقدار ما يترك من أثر، القادر وحده على أن يدافع عن نفسه، ويؤكّد جدارته بمرور الزمن، إلاّ أن الضرورة تقضي بوضع سياق وعلامات في هذا الطريق الطويل· ولعل الذين عايشوا المبدع وعرفوه عن قرب هم الأقدر على رسم الملامح وإبراز التفاصيل التي من شأنها أن تزيد التعريف به وبالمرحلة التاريخية التي عاش خلالها، لأنّ المبدع لا يصبح كذلك بسبب الموهبة وحدها، وإنما بتأثير الزمن الذي عاشه، والبشر الذين كانوا حوله، وبالتالي أثّروا فيه وتأثّر بهم·
 
إنّ الدعوة إلى التوقف، بين فترة وأخرى، من أجل استعادة لحظات هامة من الماضي، واستعادة ملامح الناس الذين عاشوا فيه، لا تعني الوفاء لهذا الماضي وناسه فقط، بل الأكثر أهمية أن تبقى الدورة الدموية تتسرى في العروق، لاكتشاف النبض الحقيقي للحياة التي كانت، وأن تتواصل هذه الدورة، لتكون لنا ذاكرة، وكي يصبح كل جيل، وكل فرد مبدع، جدولاً أو نقطة في نهر الحياة الكبير·
 
يوسف العاني في شخصيات وذكريات يحاول أن يرد الاعتبار لتقليد عرفه الأدب العربي في فترة سابقة· فأغلب الكتب التي وضعها الأقدمون، وفي حقول شتى، كانت تترك مساحة للعصر، ولإبراز الذين أثروا فيه· أكثر من ذلك أن بعض كتب الأقدمين تخصصت في هذا الحقل بالذات· ولعل أول ما يرد في هذا المجال كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان· لكن شخصيات وذكريات لا يلتفت لمفهوم الأعيان كما عُرف سابقاً، ويركز على الفن والأدب، ومع أنه من زاوية شخصية فهو تأريخ للفن والأدب في مرحلة معينة، ضمن منظور الذاتي والموضوعي في آن، وكن سببه أو الدافع إليه هو الموت·
 
حين يحل الموت، وتكتمل الدورة، لا بدّ أن تستثار عواطف وأفكار، ومع استثارتها تتلاشى الأشياء الصغيرة، ويكون الحكم أكثر صواباً على حياة هذا الذي غادرنا إلى الأبد، ومدى ما أثّر فينا، وما تركه لنا وللأجيال القادمة من أثر· ربما يكون الحكم، في بعض الحالات، عاطفياً،لأنّ الجرح لا يزال ساخناً، وقد أملته المفاجأة أو صدمة الغياب، لكنه، في أغلب الحالات، صادر عن القلب، ولا يقيم وزناً للحسابات الصغيرة، ويكون في النهاية حكم قيمة قد يساعد اللاحقين، مؤرخي الفن والأدب، في رسم المسارات وتحديد المعالم ثم الآثار·

Pages