كتاب "أعظم شخصيات في التاريخ"، ربما يكون من الصعب وضع مقدمة وافية شافية لمثل هذا الكتاب الذي يجمع بين دفتيه سيرا مختصرة لعشرات من أبناء البشرية الذين أثروا الحياة الإنسانية وأفادوها على مر القرون بما مكنها من تحسين حياتها ويسر لها عمارة الأرض كهدف من أهداف
You are here
قراءة كتاب أعظم شخصيات في التاريخ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
نبي الله نوح عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله عز وجل: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[نوح:1].
هو نوح بن لامَك بن مَتُّوشَلَخَ بن أخَنوخ - وهو إدريس - بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر. وكان بين نوح وآدم عشرة قرون كما جاء ذلك في حديث ابن حبان.
وبالجملة فنوح أرسله الله إلى قوم يعبدون الأوثان قال تعالى إخبارًا عنهم: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا )[نوح:23]. وقد قيل أن هذه أسماء رجال صالحين من قوم إدريس وكان لهم رجال يقتدون بهم فلما هلكوا أوحى الشيطان أي بث إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وانتسخ العلم عبدت.
بعث الله نوحًا إلى هؤلاء الكفار ليدعوهم إلى الدين الحقّ وهو الإسلام والعبادة الحقّة وهي عبادة الله وحده وترك عبادة غيره، وقال لهم: ﴿وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ)[الأعراف:65]، وقال:﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍعَظِيمٍ﴾[الأعراف:59]، وقال:﴿ أن لا تعبدوا إلّا اللّه إنّي أخاف عليكم عذاب يوم أليم )[هود:26]، وقال: ﴿قال يا قوم إنّي لكم نذير مبين﴾(أن اعبدوا اللّه واتّقوه وأطيعون)[نوح:2-3]، ودعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار والسر والإجهار، وبالترغيب تارة وبالترهيب أخرى،لكنأكثرهم لم يؤمن بل استمروا على الضلال والطغيان وعبادة الأوثان ونصبوا له العداوة ولمن آمن به وتوعدوهم بالرجم ﴿قال الملأ من قومه إنّا لنراك في ضلال مبين﴾ [الأعراف:60] فأجابهم ﴿قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكنّي رسول من ربّ العالمين﴾ (أبلّغكم رسالات ربّي وأنصح لكم وأعلم من اللّه ما لا تعلمون)[الأعراف:61-62] وقالوا له فيما قالوا بعد أن تعجبوا أن يكون بشر رسولاً ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ [هود:27].
لبث سيدنا نوح في قومه يدعوهم إلى الإسلام ألف سنة إلا خمسين عامًا قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [العنكبوت:14]، وكان قومه يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه، حتى تمادوا في معصيتهم وعظمت منهم الخطيئة فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي كان قبله، حتى إن كان الآخر ليقول:قدكان هذا مع آبائنا وأجدادنا مجنونًا لا يقبلون منه شيئًا. ومن جملة ما قال لهم ﴿ ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان اللّه يريد أن يغويكم هو ربّكم وإليه ترجعون﴾ [هود:34] أي أن الله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولكن اليأس لم يدخل قلب نوح بل أخذ يجاهد في إبلاغ الرسالة ويبسط لهم البراهين، ولم يؤمن به إلا جماعة قليلة استجابوا لدعوته وصدقوا برسالته.
ثم إن الله أوحى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن قال تعالى: ﴿وأوحي إلى نوح أنّه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون﴾ [هود:36]، فلما يئس من إيمانهم دعا عليهم فقال: ﴿واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الّذين ظلموا إنّهم مغرقون)(إنّك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولايلدوا إلّا فاجرا كفّارا) [نوح:26-27] فلما شكا إلى الله واستنصره عليهم أوحى الله إليه: ﴿واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الّذين ظلموا إنّهم مغرقون﴾ [هود:37]، قال تعالى: ﴿ ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون﴾(ونجّيناه وأهله من الكرب العظيم) [الصافات:75-76].
فأقبل نوح على عمل السفينة وجعل يهيئ عتاد الفلك من الخشب والحديد والقار وغيرها، وجعل قومه يمرون به وهو في عمله فيسخرون منه وكانوا لا يعرفون الفلك قبل ذلك، ويقولون: يا نوح قد صرت نجارًا بعد النبوة! وأعقم الله أرحام النساء فلا يولد لهن. وصنع الفلك من خشب الساج وقيل غير ذلك، ويقال إن الله أمره أن يجعل طوله ثمانين ذراعًا وعرضه خمسين ذراعًا، وطوله في السماء ثلاثين ذراعًا. وقيل: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وقيل غير ذلك والله أعلم.