You are here

قراءة كتاب الموروث الثقافي في الأدب العربي الحديث - الروائي حنا مينة نموذجا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الموروث الثقافي في الأدب العربي الحديث - الروائي حنا مينة نموذجا

الموروث الثقافي في الأدب العربي الحديث - الروائي حنا مينة نموذجا

لقد مثلت الرواية في العالم العربي إحدى سمات الفكر والتصور العربيين، إذ مثلها مثل الروايات العالمية، ساهمت في نقل التجربة العربية الإنسانية إلى العقل الإنساني رغم حداثتها مقارنة مع العالمية، ولقد أرجع النقاد تاريخ ميلادها إلى فترة1914 حيث ظهرت أول تجربة تمثل

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 8

إن غلالة الرومانسية التي يلف فلاحية أو جنسية أو عاطفية البطل لا تقدم ولا تؤخر في جوهر رؤيته السلبية للعالم، فالحقيقة الفردية هنا أطبقت على (النحن)و على (العالم)، البيوغرافية حدت العالم الخارجي، وقد ترتب انغلاق زمانها منذ البداية، فإذا ما عدنا ثانية إلى الزمن الموضوعي الذي حدده الكاتب أمكننا أن نقرأ في مكانها وزمانها إرهاصا بما سيأتي "(42).
لا أعتقد أن الكاتب في طرحه أراد أن ينقل مجرد النقل جملة تصورات عن واقع مر به، وتألم لحاله، إنما هدف إلى تحريك النفوس الراكدة، النائمة، وقد أبرز يأسه من حاضره، وتطلعه إلى الجديد الذي تنكشف فيه أحزان هذه الجموع المناسبة بالوراثة وراء عويلها وآلامها، كأنما خلقت لتكون بقايا بشر لبشر أسوياء هم فقط قوادهم وأسيادهم، في حين يكتفون هم فقط بالتقاط الفتات، أنها تجربة واقعية تنازعت الذات، وتعرشت فيها كما يتعرش اللبلاب أجدرة المنازل "إن الذات تتنازعها عوامل خارجية ونفسية داخلية .. فاليأس من الحاضر وهو بالذات حاضر لم يتغير فيه شيء، إنه نفسه إن لم يكن الماضي ما يزال يبسط ظلاله وهيمنته .. مما نتج عنه الشعور بالضياع والتيه وانفصام العلاقات
.. مثل هذه العوامل تجر إلى الإنسياق للرقص، وبيان اللاجدوى , ومن ثم الإخلاص لسُكنى اللغة والمعرفة "(43). ذلك ما عاشه الكاتب وفرض علينا أن نعيشه بدورنا، حالة السلب التي تخبط فيها شخوص الرواية إذ أظهرهم أشبه بآلات غير عاقلة لأنهم لا يتحركون، إنهممجتمع متقبل توجهه كيفما تشاء يمنة ويسرة تدفعه أماما وخلفا، ويبقى تابعا منقادا "أن ثمة آلات غير عاقلة (فقدت شعورها الإنساني)"(44).
ويساير الكاتب واقعه من خلال شخوصه أحيانا فيشرب من كؤوسهم ويخطو معهم خطواتهم ولكن بشيء من التحفظ والتريث. يقول حافظ إبراهيم عن البؤساء : "و لولا أني أشرب بالكأس التي يشرب ذلك الرجل العظيم، لما وصل مبلغ علمي إلى مبلغ علمه، ولما سبح يراعي في قطرة من سيول قلمه ولو أن لي قلما من أعواد أشجار الجنة، وصحيفة من صحف إبراهيم وموسى وقد تلقتني البلاغة من كل جهة بفضلها، فسموت إلى لباب مصاصها، وأخذت منها حاجتي، لما حدثتني النفس بتعريب ذلك الكتاب، لولا اتحادنا في الألم وتشابهنا في الشقاء(45). هذا كاتب يعلن مدى تأثير الحالة النفسية "الذاتية" في العمل الإبداعي إن "حافظا" واحد من المسحوقين البسطاء في المجتمع حركته رواية "البؤساء" لما لها من ارتباط بوضعه كإنسان هو "المحصلة الأخيرة لتاريخ البشرية إلا أن الغد سوف يتجاوزه، صحيح أنه الخاتمة النهائية لما سبقه من تطور"(46). إلا أنه في ذات الوقت يسعى إلى أن يكون محاميا للبؤر الخفية التي تشبثت به، وجعلته يقوم بعمل المحاماة، تكبر معه معاناته، وتثمر العمل الإبداعي الذي يخلد زمنا أبديا، كون الحديث يستمر عاملا في الخفاء حتى يحس أوان ولادته، حيث تتبلورانفعالاته وردود أفعاله، وتمتزج بكثير من ألوان الذاتية "في الحب أو الكره، في التذوق أو الفهم، وفي عملية استخلاص الجوهر التي هي كل هدف الكاتب في نهاية المطاف "(47).
لهذا تتماسك جزئياته وتتلاحم لتخلق منعطف البوح، "لماذا نهرب من الواقع حين يصبح قدرا لنا ؟، أنا لست بهلوانا أسير على حبل مشدود حافظا بتوتر باهظ الجهد، التوازن الذي لا يمكن الحفاظ عليه "(48). إنه خاضع مشدود إلى واقعه المكبل بالفقر والتشرد والعياء، إنه مؤمن بقدره، مستسلم له، فكانت نقمته عليه لأنه لم يتبدل، لم يشأ أن يتبدل، وكل الأبواب بمزاليجها مغلقة، فقط كوى صغيرة من الأمل تتبدى، كما تظهر ثقوب في ثوب أسود مديد . وها هو على لسان معلمه الخياط في رواية "الشمس في يوم غائم "يذوب في ماضيه وتنضح ذاتيته" أن نلعن الشر، قال الخياط، فهذا فضيلة عاجزة. لنفعل الخير وندع الشر يلعننا. لنفعل ما نعتقد أنه حق لنخسر بسببه سمعتنا الحسنة... مصيبة الناس يا ولدي أنهم يخافون على سمعتهم الحسنة، ومن أجل ذلك يصبح حسن المعاملة رَسَنًا مزوقا في رقاب حمير تلبس ثياب بني آدم. إننا نحن الفقراء والأشراف والطيبون من جميع الأصناف، نخاف على السمعة الحسنة، على هذا الرسن الذي صنعه الأقوياء والأشرار من جميع الأصناف، وأعطوه لنا لنضعه في رقابنا ونتمسك به مزهوين. القيد ليس من حديد فقط. السمعة الحسنة قيد أيضا ترجمتها الطاعة، التسليم بالواقع، بالظلم بالجوع، حتى نهبط لك من السماء سلة فيها طعام، ليس فيها مقصات لقص الأغلال، السمعة الحسنة غل.. أنا رفضت السمعة الحسنة، انتصر في معركة، يبرر لك النصر سمعتك. أخسر تسلبك الهزيمة كل سمعتك. أرقص يابني أرقص _اضرب الأرض، أيقظها، ابنة الكلب هذه، أيقظها"(49).

Pages