You are here

قراءة كتاب أحوال بلاد المتوسط في عصر العولمة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أحوال بلاد المتوسط في عصر العولمة

أحوال بلاد المتوسط في عصر العولمة

مع انتهاء إعداد هذا الكتاب، طردت الثورات الشعبية (الشعب يريد) في تونس ثم في مصر من السلطة رئيسين كان كثيرون يعتقدون أنهما غير قابلين لإطاحتهما قط.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

بين حربين: أزمة اقتصادية وصعود النازيةفي الشمال، استغلال استعماري وفتنة قومية في الجنوب

أدت الحرب العالمية الأولى إلى اضطرابات جيوسياسية كبرى على مستوى الكوكب، وإلى تقسيم جديد للعالم بين القوى الإمبريالية. ومع هزيمة ألمانيا واختفاء الإمبراطورية النمساوية المجرية والثورة الروسية، بدا انتصار فرنسا والمملكة المتحدة كاملاً. تبع انهيار الإمبراطورية العثمانية تقسيم للشرق الأوسط بين قوتين منتصرتين، غير أنّ الولايات المتحدة ظهرت كقوة جديدة صاعدة.
خرجت أوروبا من الحرب مفلسة، واندلعت حركات اجتماعية وانتفاضات شعبية في كل مكان في مطلع العشرينيات، متشجعة بالثورة البلشفية، وأفضت إلى ثورات اجتماعية في ألمانيا وهنغاريا، لكنها فتحت في إيطاليا الدرب أمام الفاشية. كان أثر أزمة العام 1929 ملموساً بشدة في شمال المتوسط وجنوبه، وأدى صعود البطالة والأزمة الاجتماعية إلى تزايد الحركات الاجتماعية في كل مكان. في الشمال، تسارع صعود حركات اليمين المتطرف، ووصل الحزب النازي إلى السلطة في ألمانيا في العام 1933، في حين ربحت جبهات شعبية الانتخابات في إسبانيا وفرنسا. في العام 1936، احتلت إيطاليا إثيوبيا. في البلدان الخاضعة للسيطرة الاستعمارية، ترابطت المطالب القومية والاجتماعية ترابطاً وثيقاً، وفي مواجهة صعود النازية، اضطرت القوى الاستعمارية إلى تقديم تنازلات للحركات القومية.
أدى اندلاع الحرب العالمية الثانية إلى تحوّل البلدان الخاضعة للاستعمار أو الحماية أو الانتداب إلى أماكن المجابهة بين ألمانيا النازية وبين القوى الغربية (وبالنسبة إلى الأراضي التي تحتلها فرنسا، بين حكومة فيشي وفرنسا الحرة). أمّا تركيا الكمالية، فقد أنهت ترددها بالاصطفاف إلى جانب الحلفاء. غير أنّ بعض الحركات القومية العربية تورطت مع ألمانيا النازية تورطاً خطيراً.
بين الحربين، كان المتوسط أوروبياً، باستثناء تركيا. أصبح استغلال المستعمرات يتوسع ليطال الأراضي الخاضعة للانتداب، التي أصبح اقتصادها موضوعاً في خدمة مصالح القوى الاستعمارية. في مصر، تواصل توسّع زراعة القطن، وفي سوريا، تطورت هذه الزراعة بدءاً من الثلاثينيات. في المقابل وفي الوقت عينه، تدهور إنتاج الحرير الذي لعب دوراً شديد الأهمية في التحولات الاقتصادية في لبنان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وتم منح امتيازات لاستثمار الموانئ والسكك الحديدية والبرق لشركات فرنسية أو إنجليزية. كما كان النفط رهاناً هائلاً في وقت مبكر جداً بسبب أهميته المتزايدة للجيوش الأوروبية. بالنسبة إلى فرنسا وإنجلترا معاً، كانت أهمية الاحتلال استراتيجية أولاً: التحكم بفضاء وسيط، بمنطقة تعدّ محطة نحو الشرق الأقصى، حماية الطرق التجارية والمنفذ إلى النفط. وشهدنا بروز اقتصاد ثنائي، يتجاور فيه قطاع حديث رأسمالي موجه إلى الخارج ويخضع للمصالح الأجنبية، وقطاع تقليدي، إنتاجه مكرّس للسوق المحلية.
وفي المغرب، تطورت رأسمالية استعمارية، مكونة من نهب السكان الأصليين والعمل القسري وتطوير زراعة تجارية (كرمة، زيتون، حبوب) والاستثمار المنجمي (فوسفات تونس، الحديد والكوبالت والمنغنيز في المغرب ثم النفط في الجزائر) والانتفاع والفضائح السياسية –النفعية. في العام 1935، كانت الجزائر ثاني أكبر منتج للنبيذ عالمياً، فاستحوذ 26 ألف مستثمر أوروبي على 2.3 مليون هكتار، أي 25% من الأراضي الخصبة (وأفضل الأراضي)، مقابل 617 ألفاً من صغار الملاكين. وفي تونس، كانت أرباح فوسفات قفصة هائلة. أما في المغرب، فقد استثمرت الشركة التجارية العمومية الشمال أفريقية (ANO) في الموانئ والنقل. بين الحربين، لعب المغرب العربي دور منطقة التعويض بالنسبة إلى الرأسمالية الفرنسية التي حُرمت من السوقين الروسية والعثمانية. بالتوازي مع ذلك، أخذ العالم الريفي يعاني الفقر واختفت المهن المدينية الصغيرة وتحولت الهجرة من الريف إلى المدينة إلى هجرة نحو البلد المستعمِر. ففي العام 1929، بلغ عدد الجزائريين المهاجرين إلى فرنسا 105 آلاف نسمة. وغداة الحرب، سرعان ما وصل عددهم إلى 300 ألف. وأخذ رجال الأعمال يذهبون إلى المغرب بحثاً عن اليد العاملة.
كانت حصيلة الثمن الذي دفعته الشعوب الخاضعة للاستعمار بين الحربين ثقيلة جداً. ففي الجزائر وحدها، تم وضع 173 ألف جندي، من بينهم 87 ألف متطوع و129 ألف عامل مدني، في الصفوف الخلفية في فرنسا، ومات 25 ألفاً أثناء القتال.
انطلقت تركيا الكمالية، البلد الإسلامي المتوسطي المستقل الوحيد، بسياسة عصرنة وعلمنة قسرية وتسلطية. وبعد إعلان الجمهورية وإلغاء الخلافة ونشر دستور، تم انتهاج سياسة اقتصادية رغبوية هدفت إلى تطوير صناعة قومية. مرّت عصرنة المجتمع بتبني الزواج المدني وإلغاء تعدد الزوجات وإعلان المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء وتبني التقويم الغربي والأبجدية اللاتينية. لم تمرّ العلمنة من دون التباس؛ فقد تجاوز الأمر الفصل بين الدولة والدين إلى مشروع إصلاح للإسلام برعاية الدولة. أصبح التعليم الديني يخضع لوزارة التعليم وأعلن الدستور الإسلام ديناً للدولة التركية.

Pages