هذه الرواية، تروي مسيرة فردة الحذاء تلك طوال فترة ثمانين عاماً، على أمل أن أتمكن من رواية مسيرة فردة الحذاء الثانية في رواية لاحقة.
You are here
قراءة كتاب أستيك الحاج فياض
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وبالفعل هذا ما فعلته عندما ذهبت لزيارة جدي لأمي الحاج جميل شريم وأخبرته بما حدث لي مع الحاج علي قطيش وأنه نصحني أنْ استمع منك عن خدمتك في الجيش التركي. فضحك جدي وقال لي إنّه لم يخدم في الجيش التركي لأنّه هرب من «عريش مصر» مع مجموعة من شباب حولا هربوا قبل أنْ يجري تحميلهم في الباخرة التي تقلهم من العريش حيث كان يجري تجميعهم ومن هناك ينقلون بالباخرة إلى اسطنبول وبعدها يلتحقون بالجيش في البلقان. وأخبرني بأنّهم أثناء هروبهم كانوا «يختبئون نهاراً» و«يسيرون ليلاً» هرباً من الأتراك وقطّاع الطرق الذين كانوا يسلبون من يلتقونهم كل ما كان بحوزتهم بما فيها ثيابهم الخاصة وأحذيتهم حتى إنّه عندما وصل إلى حولا اختبأ في كرم الزيتون القريب من البلدة وأرسل إلى جدتي لتحضر له ثياباً لأنّه كان عارياً إلّا من معطف عسكري ممزق لأنّ اللصوص سلبوه ثيابه وسرواله وحذاءه وأعطوه بدلاً منها معطفاً ممزقاً لفه على جسمه وحزمه بخرقة بالية جعل منها حزاماً. وضحك ضحكة خجولة احمرّ لها وجهه عندما أخبرني باستحياء بأنّه كان قد أخذ معه ليرة مجيدية للحالات الطارئة وهي كل ما كان يملكه. أثناء هروبه خاف أنْ يأخذها منه اللصوص لذلك كان يعمد إلى ابتلاعها وعندما يصبح مجبراً على التغوّط ولحسن حظه أنّه بسبب الجوع لا يحتاج كثيراً إلى التغوط، وإنْ حدث، كان يتنحّى جانباً ويفتّش في غائطه حتى يجدها وينظفها ليعود إلى ابتلاعها من جديد وبذلك تمكن من إنقاذ الليرة الذهبية والتي كانت بالنسبة إليه توازي إنقاذ حياته الشخصية. وعلى سيرة الحذاء أخبرني بأنّه كان قد اتفق مع الحاج فياض أيوب وكان أغنى رجل في حولا والمنطقة. اتفق معه أن يعمل عنده في الحراثة والفلاحة على أن يسعى الحاج فياض إلى إعفائه من الخدمة العسكرية بسبب نفوذه القوي عند الأتراك. ويقدم له حذاءً جديداً وطعامه اليومي وهذه كل أجرته وبعد أنْ عمل عدة أشهر كأجير عند الحاج فياض طُلب إلى الخدمة العسكرية ولم يشفع له الحاج فياض عند الأتراك.
وعشية اليوم المحدد لتجميعهم من قبل الجيش التركي أعدّت له جدتي زوادة الطريق من خبز مرقوق وتين يابس وبصل يابس وزيتون. في هذه الأثناء طرقت زوجة الحاج فياض الباب ودخلت ففرحت جدتي لذلك لأن هذا يعني أنّ الحاج فياض دبّر له الأمر مع الأتراك لذلك جاءت تبشّره. ولكن زوجة الحاج فياض أخبرته بأنّه أرسلها لاسترداد فردة الحذاء لأن الشرط كان عندما اشتراه له أنْ يعمل موسماً كاملاً في الحراثة وبما أنّه لم يعمل موسماً كاملاً لذلك جاءت تسترد فردة الحذاء. عندها أشارت عليها جدتي أنْ تأخذ زوج الحذاء كاملاً ولكن جدي رفض ذلك وقام إلى حذائه القديم ليتفحصه فوجد الفردة اليمنى أفضل حالاً من اليسرى عندها اختار الفردة اليسرى من الحذاء الجديد وأعطاها الفردة اليمنى. وبذلك انتعل الحذاء فردة قديمة وفردة جديدة.
وعندما جمعهم الأتراك في مشتى للماعز عند طرف البلدة بالقرب من شجرة البطم المعمّرة، وهو نفس المشتى القريب من بيت جدي الحالي. وناموا تلك الليلة، لفت انتباه الجندي التركي المسؤول عن حراستهم بأن حذاء جدي فردة جديدة والأخرى قديمة. فعرض على جدي أنّ يبادله حذاءه هذا بحذاء قديم يملكه ولكن جدي رفض العرض فضربه الجندي التركي وانتزع منه الحذاء وأجبره على انتعال الحذاء القديم خاصته ولكن عندما هرب من «عريش مصر» وأثناء مروره في فلسطين سلبه اللصوص ثيابه والحذاء كذلك.
فعاد إلى حولا شبه عار وحافي القدمين. لكنّه مع ذلك عاد سالماً مع ليرته الذهبية.......