You are here

قراءة كتاب أستيك الحاج فياض

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أستيك الحاج فياض

أستيك الحاج فياض

هذه الرواية، تروي مسيرة فردة الحذاء تلك طوال فترة ثمانين عاماً، على أمل أن أتمكن من رواية مسيرة فردة الحذاء الثانية في رواية لاحقة.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

[2]

تأخرت أثناء فترة الغداء في الجامعة، فأتيت مسرعاً إلى مطعم الكلّية حيث أسكن وهو مطعم «خدمة ذاتية» يرتاده الطلاب وغير الطلاب ويتوقف عن تلبية الطلبات عند الساعة الثانية ظهراً ووصلته أنا في الثانية إلا ربعاً لذلك لم أضطر أنْ أقف في الصف بل تناولت الأطعمة التي اخترتها ودفعت ثمنها وجلست إلى أقرب طاولة وجدتها فارغة وأغلب الطاولات كانت فارغة بسبب انتهاء الطلاب من الغداء وهممت بتناول الطعام دون أنْ اخلع معطفي الشتوي لأن الطقس كان بارداً واكتفيت بخلع قبعتي الصوفية ووضعتها على الطاولة لأنّني كنت قد تعودت خلعها أثناء الطعام لأن اليهود فقط يبقون القبعات على رؤوسهم أثناء تناول الطعام. أمّا لماذا فلا أدري وكلها عادات وتقاليد.
وباشرت بتناول الطعام وإذا بفتاة تحمل صينية طعامها وتقف قبالتي طالبة مني الإذن بالجلوس إلى الطاولة فأذنت لها بإشارة من رأسي فحيتني وشكرتني فرددت لها التحية والشكر دون أن أنظر إليها بعد فترة من الوقت وبعد أن تناولت بعض الطعام على ما اعتقد. قالت: أظن أنك مازلت غاضباً.
فأجبتها على الفور:
ـ لا. ولماذا أغضب ونظرت إلى وجهها فلم أعرفها فحدقت بها ملياً، واعتذرت منها متسائلاً إنْ كان بيننا سابق معرفة ؟
ـ سألتك إنْ كنت لا تزال غاضباً من جدي؟
فوقفت رأساً عن الكرسي ومددت لها يدي مصافحاً فوقفت هي الأخرى وصافحتني واعتذرت منها كثيراً لأنّني لم أعرفها فعلاً ولم أتقصّد تجاهلها لأن الفترة التي رأيتها فيها في السفارة التركية كانت قصيرة وكنت وقتها مضطرباً جداً وكان الطقس صيفاً ومظهرها وقتها يختلف كثيراً عن منظرها الآن.
فأجابتني على الفور:
ـ وأي المنظرين أجمل؟
ـ الجميل يبقى جميلاً في كل الأوقات وفي كل الظروف. ولكن في الصيف يتخلص المرء من الكثير من ثيابه، يعني أنّه يتخلص من الستائر التي تحجبه عن الآخرين. في الصيف يكون الإنسان أقرب إلى الطبيعة والى الآخرين وحتى أنّه اقرب إلى ذاته. أمّا في الشتاء فيضطر المرء إلى وضع المزيد من الستائر لتحجبه عن الطبيعة وبالتالي عن الآخرين وحتى عن نفسه.
ـ هذا يعني أنّ إنسان الاسكيمو مسكين لأنّه محجوب دائماً عن الطبيعة وعن الآخرين وعن ذاته.
ـ وقد يكون محظوظاً بذلك.
فضحكنا معاً ضحكة عالية وسكتنا لفترة تناولنا خلالها بعض الطعام.
ـ لقد لاحظ جدي أنك لم تعد تمر من أمام السفارة. لذلك اعتقد بأنّك ذهبت إلى بلدك نهائياً ولن تعود وهو تأسف كثيراً لموقفه منك في ذلك اليوم.
ـ لقد عدت من لبنان في نهاية العطلة الصيفية ولكني امتنعت عن المرور أمام السفارة تحاشياً للقاء به.
ـ سأخبره بأنّك قد عدت مجدداً إلى بودابست.
ـ إذاً بلغيه تحياتي.
وانتهينا من تناول الغداء ووقفنا للمغادرة فدعوتها إلى تناول فنجاني قهوة في المقهى المجاور لكنّها اعتذرت لأن عليها أنْ تعود إلى عملها. لكنّها أخبرتني بأنّها تتردد إلى هذا المطعم كثيراً لأن أسعاره رخيصة وطعامه مقبول وأحياناً تأتي برفقة جدها، وتوادعنا.
مرت أسابيع عديدة كنت خلالها مشغولاً بالتحضير للامتحانات لذلك نادراً ما أتيت إلى مطعم الكلّية للغداء إلى أنْ كنتُ ذات مرة واقفاً في الصف انتظر دوري لانتقاء الأطعمة التي أريد فحملت صينيتي وخرجت من الصف أفتّش عن طاولة لأجلس إليها فجلت بناظري بين الطاولات فوجدت يدين تلوّحان فحدقت ملياً فتبينتها هي نعم هي وقفت عن الكرسي وأشارت إلي بالقدوم نحوها. فتقدمت فاذا بي أرى جدها هو الآخر يجلس إلى الطاولة. فقلت في نفسي إنّه «ختيار النحس».

Pages