You are here

قراءة كتاب هبة الله

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
هبة الله

هبة الله

تأتي هذه الرواية (هبة الله) بعد روايتي الأولى (الزيت المبارك) والتي أخذت طريقها نحو المطبعة، راجياً أن يستمتع بهما القارئ، ويجد فيهما كل خير وفائدة ومنفعة، وأن يتركا بصمات وآثاراً واضحة على طريق الرواية الأصيلة، التي تستمد وجودها من الحق الباقي الذي قام علي

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

( 3 )

هيثم معلم العلوم مختلف بعض الشيء عن زملائه الآخرين , فهو دائم الاستغلال لوقته ، فتجده في وقت الفراغ إما مُحضّرا ً لدروسه بشكل سريع , أو مطالعا ً لكتاب أدبي أو ديني ، أو تاليا ً لكتاب الله مراجعا ً لحفظه , وإذا اشترك في الحديث فيتكلم بالنافع أو اللطيف من الكلام ، ويضرب صفحا ً عن الكلام الباطل أو البذيء .
هذا سمته من سنين طويلة قضاها في مدرسة النجاح , تلك المدرسة التي تحوي الصفوف من الأول حتى نهاية الثانوية , وهي صفوف غير مكررة , فتجد فيها شعبة واحدة من كل صف , وكل صف يحوي عددا ً نموذجيا ً من الطلاب يساوي ثلاثة وعشرين طالبا ً تقريبا ً , ما عدا الصف التاسع الذي يزيد على الأربعين .
وما زال الأستاذ هيثم يخدم في هذه المدرسة على الرغم من السنوات الثلاث عشرة التي قضاها فيها دون طلب النقل , وما ذلك إلا لحسن أخلاق الأهالي وقلة مشاكل أبنائهم ، وقرب المدرسة من سكنه في حي البيادر الذي لا يبعد أكثر من ثلاثة أميال يقطعها الأستاذ ذهابا ً وإيابا ً في دقائق على متن سيارته البيجو الزرقاء من موديل 1974 , والتي مضى على تصنيعها ما يزيد على خمسة وعشرين عاما ً.
معاملة المعلمين لطلابهم متنوعة , فتجد المعلم الصلب القاسي والذي يبطش بعنف , وكأنه يتعامل مع حجارة أو جمادات ، وإذا رآه الطلاب استعاذوا بالله من الشيطان الرجيم , ويمكثون طيلة الحصة في صمت وسكون , وكأنهم في حضرة جنازة مهيبة , ويعدّون الوقت بالدقائق منتظرين على مضض انتهاء حصته .
ومنهم المتساهل الذي هزمه الطلاب واتخذوه ألعوبة , فلا هو يستطيع إيصال المادة المطلوب مناقشتها , ولا هو قادر على ضبط الطلاب ومنع الأصوات المزعجة التي تنطلق في صالون المدرسة , وتزعج الصفوف الأخرى والمعلمين في غرفهم .
وطريقة الأستاذ هيثم مع طلابه مختلفة فهو يعاملهم بعطف وحنان , وإذا أساء أحدهم أخرجه عند السبورة ثم أجلسه بعد قليل , فإن تكررت إساءته ضربه على يديه بالعصا وأوجعه , ولا يمنع بعد ذلك أن يلاقي الطالب في فراغ حصة لاحقه فيسأله عن حاله ويحنو عليه .
وهو في خلال حركته بين الطلاب يعاملهم بأبوة وأخوة وصداقة , ويسأل عن أحوالهم , ويحاول حل مشاكلهم , ويتواصل مع الأهالي المهتمين بأبنائهم .
الطلاب في حصته يشاركون في الدرس , ويبدون آراءهم ويسألون أحيانا ً أسئلة خارجية لها علاقة بما يدور في الحياة والمجتمعات والسياسة , فيبدي رأيه دون أن يمسّ الخطوط الحمراء التي تسيء للأشخاص والهيئات , والتي قد تمنعه من العودة إلى بيته وتناول غدائه مع صغاره وزوجته , واستبدال هذه النعمة بأمكنة ضيّقة عفنة . ولا يزال الطلاب يذكرون تهربه من بعض الإجابات قائلا ً :
- " يا إخواني , أرجوكم لا تحرجوني , أريد أن أتناول غدائي في البيت "
يؤدي المطلوب منه ويوصل المنهاج , ويتفاعل مع الطلاب الذين يشعرون بأن حصته جميلة , وأن الجرس يفاجئهم معلنا ً نهايتها .
إذا ً هو مع التوسط لا هو باللين الذي يعصر ولا هو بالصلب الذي يكسر , وفلسفته في ذلك أن المعلم يعتبر مربيا ً ينبغي أن يؤثر في طلابه ويوجّه سلوكهم ويصحح أخطاءهم في الدروس والحياة .
ويخاطب هيثم بعض زملائه المعترضين من ذوي الشخصيات الكاسرة قائلا ً :
- " إذا كنت بطاشا ً فسيرفضون كلامك ويبتعدون عنك قال الله لنبيه :
( ولو كنت فظا ً غليظ القلب لانفضوا من حولك )
هذا الكلام للنبي – صلى الله عليه وسلم - فكيف بنا نحن الضعاف المقصرون ! "

Pages