You are here

قراءة كتاب هبة الله

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
هبة الله

هبة الله

تأتي هذه الرواية (هبة الله) بعد روايتي الأولى (الزيت المبارك) والتي أخذت طريقها نحو المطبعة، راجياً أن يستمتع بهما القارئ، ويجد فيهما كل خير وفائدة ومنفعة، وأن يتركا بصمات وآثاراً واضحة على طريق الرواية الأصيلة، التي تستمد وجودها من الحق الباقي الذي قام علي

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
- " تبدّل الشخصية , المعلمة التي تخالط الصغار كثيرا ً , وتندمج معهم وتنزل إلى مستواهم تصبح مع الأيام والسنين كالصغار تماما ً , في حركاتها وبساطة تفكيرها وكثرة حركة يديها بمناسبة وغير مناسبة , وتصاب بالتفصيل الممل لموضوع صغير يمكن التعبير عنه بكلمات معدودة ، وأحيانا ً الضحك على شيء لا يستحق الضحك , وباختصار تصبح المعلمة – للأسف - طفلة كبيرة "
فعلا ً إشارة هيام الأخيرة صحيحة ، فلقد لاحظت هدى أن معلمتي الصف الأول والثاني متقاربتان جدا ًً , وتتحدثان مع التأشير بالأيدي , وتتكلمان كثيرا ً وببساطة متناهية في مواضيع طفولية تافهة .
تضحك هدى وهي في الطريق في منتصف حارة البيادر عندما تتذكر حصة الإشغال التي قامت بها في الصف الخامس , والسؤال الذي طرحته على الطالبات :
- " الملائكة من أي شيء مخلوقة ؟ "
تتذكر الطالبة ذات الشعر الناعم , والتي وقفت وأخذت تحرك يدها , ولسانها يصرخ :
- " أنا , أنا , أنا "
فتشير لها هدى بأن تجيب , فترفع صوتها بثقة قائلة :
- " معروفة ! الملائكة مخلوقة من تراب ! "
تطرد هدى صور المدرسة والطالبات والدفاتر والممرات الطويلة بإضاءاتها الخافتة ، والطباشير والغبار المتطاير بعد المحي المستمر للوح , والخرابيش المتشابكة وأسماء الطالبات المكتوبة على جدران المدرسة .
تهب على ذهنها بعض الهموم التي تشغلها وتأخذ من تفكيرها حيزا ً كبيرا ً ، فلقد دخلت في الرابعة والعشرين وهي مقبولة الشكل بل حلوة , ولباسها طويل محتشم , وهي معلمة معينة في القطاع الحكومي , ولكن للآن لم يتقدم الشخص المناسب , الشخص الذي يحقق حلم عمرها الذي بدأ يراودها مع نهاية المرحلة الأساسية , بأن تتزوج بابن الحلال الذي تأوي إليه ويأوي إليها , وينشئان العش الدافئ والبيت النموذجي الذي يستقبل الصغار ويربيهم التربية الصالحة .
كم تخشى أن يفوتها قطار الزواج , لتلتحق بركب العوانس المنتشرات في كل البيوت بأعداد كبيرة !
ما فائدة الدراسة الجامعية والوظيفة الحكومية والراتب والمال إذا لم تتزوج الفتاة وتنجب وتصبح أما ً , وتحقق المهمة المقدسة التي خلقت لأجلها !
تستنكر في نفسها كلام زميلاتها في المدرسة من العوانس اللاتي يتبجحن بأنهن يتمتعن براتبهن ويشترين ما يشتهين , وهن مستريحات من هم الأزواج والطبخ والنفخ والغسيل والكوي والعناية بالصغار وتغيير الحفاظات , أو على رأي المعلمة العانس سامية ذات الأربعين ربيعا ً :
- " الصغار ! بلا هم . قرف يقرفهم . الرجال حيوانات كالثيران أكل وجنس وخدمات "
ُتكذب في نفسها هذا الكلام ولا تصدقه , وتعلم أنه من فوات الحظ وقلة التحصيل , بل لقد لمحت سامية تبكي مرارا ً , وتخبئ دموعها في المكتبة , وهي تتفقد الرفوف متظاهرة أنها تبحث عن كتاب مهم !
المرأة هي المرأة , تحتاج إلى الرجل كثيرا ً ، هذه فطرة الحياة التي فطر الله الناس عليها .
وفي المرأة شوق نحو الرجل لا يطفئه أب أو أخ أو أم ، إنما يطفئه الزوج الطيب الذي يحنو على زوجته , ويراعي مشاعرها .
وما أشبه المعلمة التي تتلهى براتبها ووظيفتها عن مهمة الحياة الأولى بالجائع الذي يتلوى من الجوع , وهو يفاضل بين القمصان أيها يناسب وجهه !
تبلغ هدى مشارف البيت ورنات الزغاريد الصادرة من فم أمها تصل إلى سمعها بقوة . تسقط من عينها دمعة وهي تتذكر والدها الذي انتقل إلى رحمة الله وهي في الثامنة , وتتحرك أمام عينيها صوره وهو يدخل إلى البيت , فيحتضنها مع أختها هالة وأخيها ناصر , ويقدم لهم بعض حاجات الصغار .
كم تتمنى هدى لو كان أبوها حيا ً , ليفرح معهم بنجاح ناصر في الثانوية ! تهمهم قائلة :
- " قدّر الله وما شاء فعل . إنا لله وإنا إليه راجعون "
تدخل إلى البيت وهي فرحة بالبنطال والقميص هديتها لأخيها ناصر .

Pages