قراءة كتاب مذكرات الجرذان الغريقة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذكرات الجرذان الغريقة

مذكرات الجرذان الغريقة

رواية "مذكرات الجرذان الغريقة"، للكاتب الأردني وائل رداد؛ الصادرة عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع، نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

وبحنو ساحر مسح (سوار) جبيني هامسا بترفق:
ـ لا تقلق, سنأخذ بثأرك..
حسبتها كلمات, مجرد كلمات.. لقد تأثرت وأخذت بها, لكني حسبتها مجرد كلمات..
في الأيام التي تلت ذلك اليوم تحول هدف الرفاق الأوحد إلى بحث محموم عن الفتية الثلاثة, كنا ندرك الأماكن التي يتسكعون بها, زرناها معا رغم اعتراضاتي, ألبسوني قبعة حارس مرمى ونظارات سميكة غيّرت من شكلي بعض الشيء, وكم من مرة همس فيها (كهف) في أذني قائلا بحزم لا يعرف المزاح:
ـ اسمع, لا تخشى أحدا ما دمت معنا, إياك والإعراض إذا ما لمحت واحدا منهم, عليك بالإشارة نحوه فحسب, ودع لنا الباقي.. فهمت؟..
هززت رأسي بالإيجاب رغم معارضتي الداخلية, كنت.. لكن مهلا.. رأيت السافل!.. لمحته واقفا مع خمسة من رفاقه!.. هل كان رفيقاه من بينهم؟.. لا أعلم يقينا, كل ما أذكره أنني أشرت نحوه بسبابة مرتعدة مغمغما كالمستيقظ من كابوس جاثم على الضلوع:
ـ هذا هو!..
فقط قلت ذلك, والسبابة الضعيفة تكفلت بالباقي.. وفي الثانية التالية تحول الرفاق إلى وحوش بالمعنى الحرفي للكلمة, كان الفتية الستة يكبروننا سنا, لكنها لم تكن مشكلة تعترض سبيل رفاقي الأشداء..
هجموا كالضواري الهمجية عليهم, نالوا منهم جيدا, شهدت بأم عيني أولئك الفتية يقاومون باستماتة, شهدت وجوههم المتحولة ببطء من الشراسة إلى التضرع وطلب الرحمة, ارتفعت عقائرهم بالتوسلات قبل أن تسد تماما بلترات من الدم وكومة من الأسنان المحطمة والضلوع المهشمة..
وعقب انتهاء المجزرة, رأيت ـ كالحالم ـ مهاجمي يساق إليّ كشاة عيد الأضحى, تحول وجهه إلى كتلة مبهمة, أتراهم فقئوا له عينه؟.. لم أشاهد سوى مقلة تتحرك في محجرها بسرعة جنونية هنا وهناك باحثة عن منفذ للخروج, وباستهانة أفزعتني بأكثر مما أرضتني سمعت (كهف) يقول لي بقساوة:
ـ أهذه هي الغانية؟..
هززت رأسي بعنف أن نعم, فتفل (سوار) على الوجه المبعثر قائلا بازدراء:
ـ أتحبين الفتية؟.. ردّي يا عاهرة؟..
نهنه الفتى كطفل ضلّ طريقه لمنزله, لكنهم لم يرحموه, رشقوا عليه بصقات وسخروا منه ومن عرضه, نعتوه بأشنع الألقاب حتى بكى بطريقة تمزق لها فؤادي رغم ما صنعه بي, كنت أحسب الانتقام باردا منعشا للقلب..
غمغمت بنبرة ضائقة ووجهي مطرق لأسفل:
ـ يكفي يا رفاق فقد نال جزائه وأكثر..
ـ أنت تمزح حتما!.. نحن لم نبدأ معه حتى!..
ـ بل انتهينا منه, دعوه أرجوكم..
ـ أكاد لا أصدق أننا سندع ابن الزانية هذا يفلت بجرمه!..
ثم فوجئت وفوجئا بخربق يخرج من جعبته سيخ كباب مبري الطرف, وبسرعة وقبل أن يستوعب أحدنا ما حدث أولج الطرف المدبب كيفما اتفق في مواضع الفتى الحساسة, فانبثقت نافورة دم لطمت وجهه!..
أطلق الفتى أنينا مكتوما وقد انتفخت عيناه معا في حول زائغ!.. وبان الإنكار في وجهيهما والرعب في وجهي, وأحسب (سوار) هو الذي صاح مبهوتا:
ـ ماذا صنعت يا مخبول؟!..
لم يرد (خربق), بدت ردود أفعاله عجيبة ومروعة, فقد زينت وجهه بسمة قاسية شامتة متشفية رامقا ثياب الفتى الملوثة بالدم, بسمة أضاءت وجهه بلذة لا حدود لها, وهو ينصت لأنين الفتى المعذب الذي لا يمكن تخيل ما اضطر لتحمله.. كانت لذلك المخلوق المروع عينان بالغتا الضخامة حمراوان بلون الدم, كانتا تسلبان الانتباه تماما وتغطيان معظم معالمه وتحدقان في ضحيتها بشكل جمد الدم بعروقي, وكان يصدر صوتا غريبا ومخيفا يشابه الضحك المكتوم!..
كان سعيدا, وكانت تلك المرة الأولى تقريبا التي أراه فيها بتلك السعادة اللامتناهية!..

Pages