رواية "مذكرات الجرذان الغريقة"، للكاتب الأردني وائل رداد؛ الصادرة عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع، نقرأ من أجوائها:
قراءة كتاب مذكرات الجرذان الغريقة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مذكرات الجرذان الغريقة
الفصل الرابع
فرع دكان الحلو في عجلون, حيث نسافر أحيانا إلى هناك للمساهمة في تحريك أحواله..
الفرع في جرش مكتظ كسوق عكاظ, لا يهدأ ولا يكن, لكن الأحوال أهدأ وأمتع في عجلون, حيث نلاقي (علي) معلم الكنافة المكتنز طيبة وبدنا, فيتحول العمل إلى غناء وصخب وسجائر ووجبات لا تنتهي من «قلاية البندورة» التي يجيد طهوها..
كان شابا طموحا, حلمه دكان جزارة بأحدث المعدات, لدرجة أنه اشترى منشار لحم أوتوماتيكي وضعه في مستودع صناديق الحلو ريثما يجد دكانا إيجاره مناسب..
لطالما أحببت (علي) وطيبته الساذجة قليلا, لكن حادثة طريفة وقعت لي وكان هو من شخوصها جعلتني أحبه أكثر وأشعر بأنني مدين له بحياتي!..
يقع سكن شغيلة الفرع وراء الدكان مباشرة على تل قصير, وعلى نفس الجانب لنا جارة لم أتشرف بمعرفتها إلا عن طريق (علي) وبأرعب حكاية ممكنة!.. إذ كنت يومها أتمشى على طول الرصيف أمام الدكان كي أفرغ من سيجارتي, عندما أبصرته يهرع نحوي والهلع يملأ وجهه المكتظ, توقفت مندهشا, ثم بوغت به يشدني من ذراعي حتى وارتنا جدران المحل..
لهث قبل قوله بوجه محمر:
ـ هل جننت؟.. لا تتمشى على طول الرصيف مرة أخرى!..
ـ لماذا؟..
ـ أيها التعس المحظوظ!.. كادت «أم اللوزي» تنال منك!.. ماهذه الرعونة؟..
ـ أم (اللوزي)؟.. هل هي كودية زار؟..
ـ آه لو سمعتك!.. آه!..
كانت كنية المرأة أسطورية, مثل «أم الدويس» في الإمارات, إذن لابد وأنه يتحدث عن غول شعبي في الأردن!..
لكن أم (اللوزي) شخصية حقيقية من شحم ولحم!.. إذ أشار (علي) إلى حيث يقبع باب دارها المعدني الصدئ, وهو يسرد عليّ حكايتها التي جعلت العرق يتفصد من جبيني شيئا فشيئا..
يزعم (علي) أن المرأة عاشت حياة عسكرية منذ أيام الشباب كمجندة في الكوماندوز الأردني, حيث نالت أرفع الأوسمة التي قلدها إياها الملك حسين شخصيا على خدماتها للمملكة!..
ثم كبرت على حياة الجيش فتقاعدت, وعادت إلى عجلون حيث اعتكفت في هذه الدار معتزلة الناس, بدا وكأن المجتمع قد نبذها تماما, حتى مقدم يوم ذكرته فيه بوجودها ضمنه بطريقة لم ولن تمحى عن الأذهان..
استدعت المرأة ثلاثة شبان لإعادة دهان الدار, فقاموا بالمهمة على أكمل وجه..
ولما حان ميعاد الدفع طلبت منهم المرأة التمهل ريثما تذهب إلى حجرة نومها لإحضار النقود, وعندما عادت بوغتوا بها حاملة سلاح «كلاشينكوف»!..
في تلك الليلة سمع الجيران ومن ضمنهم (علي) والشغيلة أصوات رشقات الأعيرة النارية, الشهود أكدوا أنها انبعثت من دار أم (اللوزي), وحضرت الشرطة لمحاصرة دارها, لكنها ولحسن حظهم استسلمت دون مقاومة..
اقتادوها مكبلة بالأغلال كحيوان ضار, في حين أخرج الإسعاف جثث الشبان على محفات وقد غطت بملاءات ملوثة بدمائهم!..
صحت مذعورا وأنا منصت بشغف لتلك الحكاية المرعبة:
ـ وكيف لم يعدموها؟..