كتاب " الدين ونشوء العلم الحديث"، تأليف ريجر هوكاس، ترجمه إلى العربية زيد العامري الرفاعي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008، ومما جاء في مق
You are here
قراءة كتاب الدين ونشوء العلم الحديث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقدمة المترجم
مازال موضوع العلم وتاريخه محل اهتمام كبير بين الباحثين من مؤرخي العلم ومن المشتغلين به ؛ مع كثرة ماصدر وما يصدر عنه ، منذ بداية القرن العشرين وليومنا هذا من دراسات تتناول الابعاد المختلفة لنشوء العلم كقوة من قوى صياغة التاريخ المعاصر للانسانية . ومن بين الابعاد المهمة هي علاقة البنية الفكرية للمجتمع الذي ينمو فيه العلم ، وعلى وجه الخصوص بنية الفكر الديني ، إيمانا وعقائدا وممارسات ، وتاثيراتها على العلم من حيث تحفيز نموه أو أعاقته .
وهذا الكتاب ليس استعراضا لتاريخ الصراع بين العلم وبين الدين كما قد يبدو للقارئ الذي يختزن في ذاكرته موقف الكنيسة الرومانية من الاكتشـافات العلمية ، وعلى وجه الخصوص ، تلك المتعلقة بكروية الارض لصلتها المباشرة بعقيدة الكتاب المقدس من كل مايخالف ماجاء به . بل يطرح من البدء مفهموما جديدا مغايرا لما عرفناه عن الاثر السلبي للدين في نمو العلم وتقدمه . إذ يقودنا المؤلف ، متعقبا نشوء العلم منذ الاغريق ومرورا بالقرون الوسطى وعصر النهضة وفترة الاصلاح الديني ، بفضل معرفته الموسوعية في تاريخ الفلسفة والدين والعلم والثقافة ، الى الاستنتاج بان العلم في جزءه الاعظم هو نتاج التأثير الديني ( المسيحي ) على الفكر الغربي . فالمؤلف في اطار منهج لايعتمد السرد أو الوصف بل النفاذ في عمق الظواهر الاجتماعية والفكرية السائدة خلال العصور الوسطى ، يدلف الى تحليل مقام الايمان الديني ، باعتباره أحد أهم العوامل الفكرية التي ساعدت وهيأت خلق المناخ الملائم لنمو العلمِ وتَقدَمِه والترويج له . وهو بذلك يرفض اعتبار العلم نشاط إدراكي معرفي للفرد العالم بعيدا عن عصره ومؤسساته الفكرية .
ويتناول المؤلف على وجه الخصوص أثر الحركة الاصلاحية الدينية- البروتستانتية - ضمن اطار معقد العوامل المختلفة والتي منها على سبيل المثال النزعة الانسانية والتاثيرات الفكرية والاقتصادية- في نشوء العلم في فترة زمنية معينة وفي بقعة معينة . بمعنى اخر كيف كان لعقيدة دينية بعينها رؤية استحسان، إن لم تكن وجوب الجد والاجتهاد في ، طلب العلم والبحث في اسرار الطبيعة ؛ على إنه واجب بل جزء من مقومات الايمان الديني لذلك المذهب .
ولذلك يبحث المؤلف دور البروتستانت كحركة فكرية في تشجيع العلم والترويج له من حيث :
- تشجيع حرية الفكر إذ إن مبدأ كهانة جميع المؤمنين مثلا شجع استقلال الفكر في تفسير كتاب الطبيعة فضلا عن تفسير كتاب الانجيل ؛
- تأكيدهم على التعاليم الانجيلية في رفض ربوبية الطبيعة بل اعتبارها خلقا من أعمال الله الذي يجدر الاعجاب به وتأمله ودراسته وتقصي قوانينها لوضعها في خدمة البشرية وهو مادفعهم إلى اتخاذ نظرة إيجابية من كتاب الله المفتوح أمامهم ؛
- تمجيد العمل يدوي في كافة المجالات منطلقين من إيمانهم أن أي عمل هو دعوة إلهية للتبصر في كتابه المفتوح أمام اعينهم ولذلك لم يألوا جهدا للانعتاق من أسر النظرة الأغريقية ومنطقها الأرسطوي في تمجيد الأستنتاج النظري وإهمال التجارب التي ساعدت بل وكانت أساس التقدم العلمي ؛
- الابتعاد عن حرفية تفسير النص المقدس الذي كان سببا أساسيا في أعاقة تقدم العلم .
وصفوة القول إن البنية الفكرية للبروتستانت حبذت فيهم الميل أكثر من الكاثوليك لتقبل الاراء الجديدة في العلم ؛ بمعنى أنهم كانوا اقل معارضة للعلوم مما كان عند سلطة روما . وكما اشار توماس كلبرر 1655 إن الاصلاح الديني رفض وجود سلطة بابوية في الدين مثلما رفض الاصلاح العلمي وجود سلطة بابوية في الفلسفة . أضف لذلك إن توماس سبرات في كتابه تاريخ الجمعية الملكية-الانجليزية- 1667 قال ان الاصلاحيين – العلميين منهم والمتديين- يجمعهما أمر ترويج النسخة الأصلية من كتابي " الله : الطبيعة والانجيل متجاوزين حرفية الباحثين فضلا عن حرفية رجال الدين .
ويناقش المؤلف أطروحة عالم الاجتماع الامريكي روبرت مرتون (1938) القائلة إن لقيم الزهد والتقشف البروتستانتية أثر ومقام مهم في التعجيل بالثورة العلمية ، من حيث إن أفكار التطهريين أولت قيمة عالية لبعض أشكال العلم خاصة تلك التي ينتج عنها منافع عملية في حياة المؤمنين ؛ مع أن مرتون لم يتنكر أيضا لاهمية القوى الاجتماعية والاقتصادية - في تلك الفترة - في نشوء حركة العلم الحديث .