كتاب "أولويات الحركة الاسلامية في المرحلة القادمة"؛ الصادر عن مكتبة "وهبة للنشر والتوزيع"؛ يقول الإمام القرضاوي في مقدمته:
You are here
قراءة كتاب أولويات الحركة الاسلامية في المرحلة القادمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
أولويات الحركة الاسلامية في المرحلة القادمة
الصفحة رقم: 3
قصور العمل الرسمى
هذا العمل الشعبي المحتَسب ، هو الذي ينشئ الحركة الإسلامية ، أما العمل الحكومي الرسمي ، أو شبه الرسـمـي ، مثـل إنشـاء مجامـع أو مجـالـس عليـا ، أو اتحادات أو روابط ، للشؤون الإسلامية ، تشرف عليها وزارات الأوقاف ، أوغيرها مـن الأجـهـزة التابـعـة للدولة ، فقد يُسهم في خدمة الإسلام وأهـلـه بنصيب يـقـل أو يكثر ، وفقاً لنية القائمين عليه وهمتهم ، ومقدار ولائهم لدينهم ، قبل ولائهم لدنياهم ودنيا من ولوهم المناصب .
ولكن هذا العمل قاصر ، ومعيب دائماً من عدة أوجه :
1- أنه يدور في فلك السياسة المحلية للدولة التي تنشئه ، وتنفق عليه ، فهو يتحرك أو يتوقف ، ويتكلم أو يصمت ، ويُشَرِّق أو يُغَرِّب ، تبعاً لهذه السياسة ، ولهذا لا يُعبِّر عن الإسلام الخالص ، وعن أمته الكبرى ، بقدر ما يُعبِّر عن هذه الدولة المعينة .
2- أنه لا يقوم ـ غالباً ـ على أناس يفرزهم العمل ، ويصهرهم الجهاد ، ويبرزهم الميدان ، بل على التعيينمن رجال ترضى عنهم الدولة المنفقة ، ويحرصون على إرضائها رغباً أو رهباً . ولهذا لا يسعهم أن يخالفوا عن أمرها ، أو يقولوا : لِمَ ؟ أو : لا . وأنا أتحدث هنا عن الأعم الأغلب ، وإلا فقد يوجد بين الرسميين مَن يفوق بعض العاملين الشعبيين إخلاصاً لله ، وغيرة على دينه ، وعملاً لتمكينه .
3- أنه كثيراً ما تنقصه النية الصادقة لنُصرة الإسلام ، بل قد يُراد به كسب سياسي خالص ، وغالباً ما يكون هذا العمل مسجد ضِرارظاهره العبادة والتقوى ، وباطنه التفريق بين المؤمنين ، وتعويق العاملين المخلصين .
4- أنه ـ لهذا كله ـ متهم من الجماهير والشعوب ، معزول عن مشاعرها وتأييدها . حتى العلماء الرسميون الذين جنَّدوا أنفسهم لخدمة سياسة الدولة ، فينطقون إذا أرادت لهم أن ينطقوا ، ويصمتون إذا أرادت أن يصمتوا ـ يفتقدون ثقة الجماهير بهم ، ويسمونهم علماء السلطةـ أو عملاء الشرطة.
ولهذا كله لا يستطيع العمل الإسلامي الرسمي أو شبه الرسمي ـ في غيبة الحكم الإسلامي ـ أن ينشئ حركة إسلامية حقيقية ، وإن كان يستطيع ـ بما لديه من إمكانات ـ أن يقوم ببعض الخدمات العلمية والعملية ، وتقديم المعونات المادية والأدبية للعمل الإسلامي الشعبي ومؤسساته . وخصوصاً إذا كان على رأسه بعض المخلصين الشجعان .
الحركة عمل جَماعى منظَّم
والحركة الإسلامية ـ إلى جوار أنها عمل شعبي محتَسب ـ هي عمل جَماعي منظَّم ، فلا يكفي أن يقوم أفراد محتسبون مخلصون من هنا وهناك ، يعملون متناثرين للإسلام ، وإن كان عملهم مرصوداً لهم فـي ميزانهـم عـنـد الله ، فـإن الله لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى . وكل امرئ يُجزَى بما قدَّم حسب نيته وإتقانه (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ )(الزلزلة:7).
ولكن العمل الفردي في واقع الأمة الإسلامية المعاصرة لا يكفي لسد الثغرة ، وتحقيق الأمل المرتجى . بل لا بد من عمل جَماعي ، وهذا ما يوجبه الدين ويحتّمه الواقع .
فالدين يدعو إلى الجماعةويكره الشذوذفيد الله على الجماعة ، ومن شَذَّ شَذَّ في النار ، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، ولا صلاة لمنفرد خلف الصف ، ولا لمتقدم على الصف ، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً . والتعاون على البرِّ والتقوى فريضة من فرائض الدين ، والتواصي بالحق والصبر أحد شروط النجاة من خسران الدنيا والآخرة .
والواقع يُحَتِّم أن يكون العمل المثمر جماعيًّا ، فاليد الواحدة لا تُصَفِّق ، والمرء قليل بنفسه ، كثير بإخوانه ، ضعيف بمفرده ، قوي بجماعـتـه ، والأعـمـال الكبيـرة لا تتم إلا بجهود متضافرة ، والمعارك الحاسمة لا يتحقق النصر فيها إلا بتضام الأيدي ، وتعاضد القوى ، كما قال القرآن : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)(الصف:4) .
ولا بد أن يكون العمل الجماعي منظَّماً ، قائماً على قيادة مسئولة ، وقاعدة مترابطة ، ومفاهيم واضحة ، تحدد العلاقة بين القيادة والقاعدة ، على أساس من الشورى الواجبة الملزمة ، والطاعة المبصرة اللازمة .
فالإسلام لا يعرف جماعة بغير نظام ، حتى الجماعة الصغرى في الصلاة ، تقوم على النظام ، لا ينظر الله إلى الصف الأعوج ، ولابد للصفوف أن تتراص وتتلاحم ، ولا يجوز ترك ثغرة في الصف دون أن تُملأ . فأي فرجة تُهمل يسدها الشيطان . المنكب بجوار المنكب ، والقدم بجانب القدم . وحدة في الحركة والمظهر ، كما أنها وحدة في العقيدة والوجهة : لا تختلفوا فتختلف قلوبكم.
يُعَدِّل الإمام الصف خلفه حتى يستقيم ويتصل ، وينصح من وراءه أن لينوا بأيدي إخوانكمفالجماعة تقتضي قدراً من الليونة والمرونة لموافقة سائر الصف .
وبعد ذلك تكون الطاعة للإمام إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤْتَمَ به ، فإذا كَبَّر فكَبِّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا قرأ فأنصتوا.
ولا يُقبل من أحد أن يشذ عن الصف ، ويسبق الإمام فيركع قبله ويسجد قبله ، ويُحدث نشازاً في هذا البناء المنظَّم المتناسق . فمَن فعل ذلك يخشى أن يمسخ الله رأسه رأس حمار !
ولكن هذا الإمام إذا أخطأ ، فإن مِنْ حق مَنْ وراءه ـ بل من واجبه ـ أن يصحح له خطأه سواء كان من غلط أم سهو ، وسواء كان الخطأ في القول أم الفعل ، في القراءة أم في أركان الصلاة الأخرى .
حتى إن المرأة في الصفوف البعيدة تُصَفِّق بيدها ، لينتبه الإمام إلى خطئه .
إنها صورة مصغرة لنظام الجماعة الإسلامية ، وما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين القيادة والجندية ، فليست إمامة معصومة ، ولا طاعة عمياء مطلقة .