You are here

قراءة كتاب القاضية والعفر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
القاضية والعفر

القاضية والعفر

كتاب " القاضية والعفر " ، تأليف أبو العباس برحايل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

العُفر في المكتبة

ذات يوم خريفي صقيعي من أيام تشرين الثاني/ نوفمبر، وفي الصباح الباكر تلقيت ـ أنت يا أبا الرضوان أيوب الصابوري ـ مكالمة من أحد أقاربك الأبعدين تفيد بأن الدرك الوطني طرقوا عليك الباب ليسلموك استدعاء مستعجلاً في بيتك الصيفي الذي هجرته في السنوات الأخيرة مرغماً والكائن بمرجة ضبيعة أيميس؛ تلك القرية البعيدة عن المدينة السهبية التي تقيم بها بنحو أربعين كيلو متراً. مرجة ضبيعة أيميس هذه تسميتها الكاملة، لكن المواطنين يختلفون في تسميتها، فمنهم من يسميها المرجة ومنهم من يقول الضبيعة ومنهم من يدعوها الضبعة ومنهم من يقول أيميس فقط؛ ولن تلتزم أنت بتسمية واحدة، وستكون كل تسمية تذكرها صحيحة في موضعها.. قال لك في حشرجة الهاتف النقال مستغرباً: لقد جاءوا في رتل رسمي من عربتين فطوقوا البيت أولاً، ثم راحوا يطرقون الباب بعنف، وتبين أن العنوان الوحيد الموجود في الوثائق لديهم عنك، هو عنوان هذا البيت شبه المهجور. شبه المهجور لأنك كنت تزوره من حين لآخر، تستريح فيه من ضجيج الكتب في ورّاقتك الشهيرة وصخب الزبائن وتسقي ما في حديقته من نباتات وأشجار قبل أن ينفـّرك منه العُـفر..

ركبك الخوف والهلع وتشاءمت من هذه المكالمة الصباحية غير المبشرة، فهيئات الأمن لا تبحث عن أحد أو تستدعيه إلا لأمر جلل وخطب مدوّ خطير. ركبت الرونو إكسبريس؛ مطيتك الآلية البيضاء بياض لحيتك المتدلية وبياض قندورتك المترجرجة، وهرعت إليهم في ثكنتهم تلبي النداء العاجل. لقد كنت هناك منذ أسبوعين مع طاووس الحنان رفيقة درب حياتك وعجوزك المستكينة الصبور تتريضان في جنينة البيت القروي، وتتذاكران طرائف الأيام والسنين الخوالي خصوصاً في عطل الربيع مع باديس، ذلك الصبي الملاك الذي ربيتماه كما لو كان ابنكما صليبة.. باديس أو غسان؛ سيان لديك.. لما تفتحت عيناه على الدنيا التحق بأسرته الأصلية.. كنتما تسوقان الأحاديث الشائقة والموجعة في القلب عن تلك الأيام المتنائية، وتلتقطان في الآن نفسه حبات الزيتون اللؤلؤية المتساقطة بفعل الرياح.. كانت شجرة الزيتون العملاقة التي يُجهل عمرها في الجنينة مثقلة بثمارها السوداء النيرة الوقادة.. القطف يستدعي الجهد ولا أنت ولا الطاووس لكما من الجهد والنفـَس الطويل ما يكفي لقطف المنتوج المغري في هذه السن التي تولت فيها قوتكما، وألبستكما الطبيعة من بعد قوة ضعفاً، وأورثكما تتالي السنين وتعاقب الليالي، بحلوها ومرها، من بعد رشاقة وَهْناً ورخاوة، ومن بعد صلابة ترهلاً وعجزاً، ولا بد من استئجار عامل شيق رشيق قادر على تسلق الأغصان المتعالية السامقة لقطف هذه اللآلىء النيرة..

أنت مضطر إذن، لتعود إلى تلك القرية الصاخة التي طبعت وجدانك في الطفولة بطابعها الحر المنطلق الصريح في هذه الصبيحة رغم الصقيع، وقد بتّ تكرهها الآن وتتلكأ في زيارتها ويا للعجب والأسف، بعد أن كان الذهاب إليها طوال حياتك بمثابة عودة للروح، وكانت زيارتها مصدراً للراحة والاستجمام.

بعد نحو ساعة من السير الحثيث وصلت إلى الثكنة، أطل عليك من الشباك الظليل ذلك الدركي الأسمر البشرة سمرة داكنة، والمزروعة ببثور مهيجة مقيحة في وجهه، ذو الملامح الجهمة، وقال لك بحزم مشوب بالتهديد والوعيد من وراء كوة الشباك المقتضبة:

ـ تدفع الغرامة أو تساق إلى السجن يا حاج..

حدد لك الأجل بصفة قاطعة، وأمرك أن تتجه فوراً للخزناجي بالمدينة إن رغبت أن تتجنب الحبس، وأن تنجو من وضع الأصفاد في معصميك المعروقين.

Pages