كتاب " التصميم العظيم " ، تأليف مجموعة مؤلفين ترجمه إلى العربية أيمن أحمد عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب التصميم العظيم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

التصميم العظيم
لقد اكتشفنا في تاريخ العلم تتابعًا أفضلَ وأفضل من النظريَّات والنماذج المتتالية، من أفلاطونPlato حتَّى نظرية نيوتن Newton الكلاسيكية إلى النظريَّات الحديثة للكمِّ. ومن الطبيعي أن نسأل: هل سيصل هذا التسلسل حتمًا إلى نقطة نهاية، إلى النظرية النهائية للكون، التي ستشمل كافَّة القوى، وتتنبَّأ بكلِّ ملاحظة يمكننا القيامَ بها، أم سنستمرّ إلى الأبد في إيجاد نظريَّات أفضلَ، دون العثور على هذه النظرية التي لا يمكن تعديلها؟ فحتَّى الآن، ليس لدينا إجابةٌ محدَّدةٌ عن هذا السؤال، لكن لدينا نظريةً مرشَّحةً لأن تكون نظريةً نهائيةً لكلِّ شيءٍ، إن كانت توجد نظريةٌ كتلك فعلًا، والتي تسمَّى النظريةَ "إم" M-theory. وهي النموذج الوحيد الذي لديه المميِّزات التي نتوقَّع أن تتضمنَها النظرية النهائية، وهي النظرية التي سيقوم عليها الكثير من نقاشاتنا الأخيرة في هذا الكتاب.
النظرية "إم"، ليست نظريةً بالمعنى المعتاد. فهي عائلة كاملة من النظريَّات المختلفة، كلٌّ منها يُعدُّ وصفًا جيِّدًا للملاحظات في إطار بعض الحالات الفيزيائية فقط، وهي تشبه الخريطة إلى حدٍّ ما. فكما هو معروف، لا يستطيع أحدٌ إظهار كلِّ سطحِ الأرض على خريطة واحدة. فالإسقاط الميركاتوري Mercator projection المستخدَم في رسم خرائط العالم، يجعل المناطق في أقصى الشمال والجنوب أكبرَ وأكبر، لكنَّه لا يغطِّي القطبين الشماليَّ والجنوبيَّ. ولكي نرسم خريطةً دقيقةً للأرض بأكملها، ينبغي استخدام مجموعة من الخرائط، يغطِّي كلَّ منها منطقة محدَّدة. وعندما يتمُّ تركيب الخرائط بعضها مع بعضٍ، فإنَّها ستبيِّن المنظور نفسه. والنظرية ـ "إم" تشبه هذا، فالنظريَّات المختلفة ضمن عائلة النظرية ـ "إم" قد تبدو مختلفة كُلِّيًّا، لكن يمكن النظرُ إليها جميعًا كأوجهٍ للنظرية نفسها التي تتضمَّنها. فهي نُسخٌ من النظرية يمكن تطبيقُها في نطاقات محدودة فقط، على سبيل المثال عندما تكون مقادير معيّنة من الطاقة صغيرة جدًّا. وكما هو الحال مع الخرائط المتداخلة في الإسقاط الميركاتوري، حيث تتداخل نطاقات النسخ المختلفة، فإنَّها تتنبَّأ بالظاهرة نفسها. لكنَّه وكما لا توجد خريطة مُسطَّحة تمثِّل بشكلٍ جيِّدٍ كلَّ سطح الأرض، فإنَّه لا توجد نظرية واحدة يمكنها أن تمثِّل كل الملاحظات في جميع الحالات بشكلٍ جيِّد.
خريطة العالم: ربَّما يتطلَّب الأمرُ سلسلةً من النظريَّات المُركَّبة
لتمثيل الكون، وأيضًا تركيب الخرائط التي تمثِّل الأرض سنشرح كيف تُقدِّم النظرية "إم" إجابة لسؤال الخلق. فحسب النظرية ـ "إم" فإن الكون الذي ـ نعيش فيه ليس هو الكون الوحيد. وبدلًا من ذلك، فإنَّها تتنبَّأ بأنَّ هناك عددًا كبيرًا من الأكوان التي خُلقَت من العدم، ولا يتطلَّبُ خلقُها تدخُّلًا من إلهٍ أو من كائنٍ فوق طبيعيٍّ. وبالأحرى، فإنَّ تلك الأكوان المتعدِّدة تنشأ بشكل طبيعيٍّ من القانون الفيزيائي، إنَّها تنبُّؤات العلم. فلكلِّ كونٍ عدَّةُ تواريخَ ممكنة وعدَّةُ حالات ممكنة في الأزمنة المتأخِّرة، أزمنة تشبه الحاضر بعد مدِّة طويلة من خلقها. ومعظم تلك الحالات لا تشبه تمامًا الكون الذي نلاحظه، كما لا تتلاءمُ مع وجود أي شكلٍ للحياة. وقد يسمح عددٌ قليلٌ جدًّا منها لمخلوقات مثلنا بالوجود. ولهذا، فإنَّ وجودَنا ينتقي فقط تلك الأكوان التي تتوافق مع حضورنا ضمنَ هذا الترتيب الشاسع. ومع أنَّنا تافهون وضئيلون بمقياس الكون، إلَّا أنَّ هذا يُعطينا إحساسًا بأنَّنا سادةُ عملية الخلق.
ولفَهمِ الكونِ على المستوى الأعمق، لابُدَّ لنا معرفة ليس فقط كيف يتصرّف الكون، لكن لماذا أيضًا.
ـ لماذا يوجد الشيء بدلًا من اللا شيء؟
ـ لماذا نوجد نحن؟
ـ لماذا توجد هذه المجموعة المُحدَّدة من القوانين دون غيرها؟
هذا هو السؤال النهائي للحياة وللكون ولكلِّ شيء، وسنحاول الإجابة عنه في هذا الكتاب. فعلى خلاف الإجابة المقدَّمة في دليل المسافر العابر إلى المجرّة The Hitchhiker's Guide to the Galaxy، لن تكون إجابتُنا ببساطة هي الرقم 42 (*).