You are here

قراءة كتاب التصميم العظيم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التصميم العظيم

التصميم العظيم

كتاب " التصميم العظيم " ، تأليف مجموعة مؤلفين ترجمه إلى العربية أيمن أحمد عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 8

إنَّ فهمَنا الحديث لمصطلح "قانون الطبيعة" هو موضِع جدلٍ فلسفيٍّ طويل، وأكثر دقَّة ممَّا يعتقد المرءُ للوهلة الأولى. فمثلًا، قام الفيلسوف جون دَبليو كارول John W. Carroll بمقارنة مقولة "كلّ كرات الذهب التي قطرُها أقلُّ من ميل واحد"، مع مقولة "كلّ كرات اليورانيوم ـ 235 التي قطرها أقلُّ من ميل واحد". ستخبرنا ملاحظاتنا للعالم بأنَّه لا وجود لكرات ذهبية بعرض ميل واحد، كما أنَّنا نمتلك من الثقة ما يجعلنا نعتقد بأنَّ هذا لن يحدث، إلَّا أنَّه لا يوجد سبب لدينا للاعتقاد بأنَّه لا توجد واحدة منها، لذلك لا يمكن اعتبار تلك المقولة قانونًا. من ناحية أخرى، فإنَّ مقولة: "إنَّ كرات اليورانيوم ـ 235 أقلُّ من ميل واحد" يمكن اعتبارها أحد قوانين الطبيعة، لأنَّه وَفقًا لما نعرفه من الفيزياء النووية، بمجرَّدِ أن تتكوَّن كرة يورانيوم ـ 235 ويصل قطرها لأكبر من حوالَي ستِّ بُوصاتٍ، فإنَّها ستدمِّرُ نفسَها في انفجار نوويٍّ. ومن ثَمَّ، يمكننا التأكيد على عدم وجود تلك الكرات (ستكون فكرة جيِّدةً لو حاولت تصنيع واحدة). هذا التمييز مُهمٌّ؛ لأنَّه يوضِّح أنَّه لا يمكنُ اعتبار كلّ التعميمات التي نلاحظها قوانين للطبيعة، وأنَّ معظم قوانين الطبيعة توجد كجزءٍ من نظامٍ أكبرَ من القوانين المترابطة.
في العلم الحديث، تتمُّ صياغة قوانين الطبيعة رياضيًّا. وهي تكون إمَّا مضبوطة أو تقريبية، لكن يجب ملاحظة أنَّها متماسكة بلا استثناء ـ إن لم يكن كليًّا، أو على الأقلِّ في ظِلِّ مجموعة شروط منصوص عليها. فعلى سبيل المثال، نحن نعرف الآن أنَّ قوانين نيوتن يجب تعديلُها في حالة تحرّك الأجسام بسرعاتٍ تقترب من سرعة الضوء، إلَّا أنَّنا ما زلنا نعتبر أنَّ قوانين نيوتن، قوانين لأنَّها لا تزال سائدة، على الأقلِّ بتقريب جيِّد، في شروط الحياة اليوميَّة، حيثُ تقلُّ جدًّا السرعاتُ التي نقابلها عن سرعة الضوء.
إذا كانت الطبيعة محكومةً بالقوانين، فسوف تنشأُ ثلاثةُ أسئلة:
1. ما مصدرُ القوانين؟
2. هل هناك أيّة استثناءات للقانون، كالمعجزات مثلًا؟
3. هل توجد فقط مجموعة واحدة من القوانين الممكنة؟
لقد طُرحت تلك الأسئلةُ المُهمّة بطرق مختلفة من قِبل العلماء والفلاسفة واللاهوتيين. وتمَّ تقديم إجابات تقليدية عن السؤال الأوّل ـ وهي إجابات كبلر وجاليليو وديكارت ونيوتن ـ والتي كان مفادها أنَّ هذه القوانين من صُنع الله. إلَّا أنَّ هذا لا يعدو كونه تعريفًا للإله على أنَّه تجسيدٌ لقوانين الطبيعة. وما لم يمنح المرء الإله بعض السمات الأخرى، كأن يكون إلهًا للعهد القديم، فإنَّ توظيفَه في الإجابة عن السؤال الأوّل ستستبدل وحسب اللغز بلغز آخر. لذلك إذا أقحمنا الله في الإجابة عن السؤال الأول، فإنَّ انهيارًا حقيقيًّا سوف يأتي مع السؤال الثاني: هل هناك معجزات أو استثناءات للقوانين؟
انقسمت الآراء حول الإجابة عن السؤال الثاني بشكل حادٍّ. فأفلاطون وأرسطو، وهما أكثر كُتّاب الإغريق القدامى تأثيرًا، قد أقرَّا بأنَّه لا يمكن أن تكون هناك استثناءاتٌ للقوانين. لكن إذا أخذ المرءُ الرؤية الإنجيلية، فإنَّ الله لم يخلُقِ القوانينَ وحسب، بل يمكن أن يطالبَه المُصلُّون بصنع استثناءات ـ لشفاء المرضى ذوي الحالات المستعصية، أو لوضع حدٍّ للجفاف قبل الأوان، أو لاستعادة لعبة الكروكيه croquet لتكون ضمن الألعاب الأوليمبية. وفي تناقض مع رؤية ديكارت، أبقى أغلبُ المُفكِّرين المسيحيِّين على فكرة أنَّ الله يجب أن يكون قادرًا على تعليق العمل بالقانون لكي ينجز المعجزات. حتَّى نيوتن اعتقد بنوع من المعجزات، حيث اعتقد أنَّ مدار الكوكب لا بدَّ وأن يكون غيرَ مستقرٍّ، لأنَّ شدَّ قوّة جاذبية كوكب لكوكب آخرَ ستتسبَّبُ في اضطراب المدارات، وهو الاضطراب الذي يتزايد بمرور الوقت ممَّا ينتج عنه إمَّا سقوط الكوكب في الشمس، أو إفلاته خارج النظام الشمسيِّ، لذلك يجب أن يحافظ الله على إعادة ضبط تلك المدارات، كما كان يعتقد نيوتن، أو أن "يملأ الساعة السماوية، خشيةَ توقُّفِها عن العمل". إلَّا أنَّ، بيير سيمون ماركيز دو لابلاس Pierre-Simon marquis de Laplace (9471 ـ 1827) الشهير باسم لابلاس Laplace، قد جادل بأنَّ الاضطرابات لا بدَّ وأن تكون دورية أكثر من كونها تراكمية، كما يتضَّح من تكرار الدورات. ولذلك لا بدَّ وأن يُعيد النظام الشمسيُّ ضبطَ نفسه، وبالتالي لا توجد حاجة لتدخُّلٍ إلهيٍّ لتفسير لماذا بقي هذا النظام على حاله إلى يومنا هذا.
إنَّه لابلاس، الذي يُعزَى إليه الفضلُ في أوّل افتراض واضح للحتمية العلمية scientific determinism بمنح حالة الكون في لحظةٍ ما، مجموعةً كاملةً من القوانين تحدِّد كلًّا من الماضي والمستقبل بشكلٍ تامٍّ، وهو ما يتطلّب بالضرورة استبعاد إمكانية المعجزات أو أيّ دور فعَّال للإله. كانت الحتمية العلمية التي صاغها لابلاس هي إجابة العلماء المعاصرين عن السؤال الثاني. وهي في حقيقة الأمر قاعدةُ العلم الحديث كلِّه، والمبدأ المهمُّ ضمن كتابنا هذا. فالقانون العلميُّ لا يُعدّ قانونًا علميًّا إنَّ كان صمودُه مرتبطًا فقط بعدم تدخُّل كائن خارق للطبيعة. ولإدراك ذلك، يُقال إنَّ نابليون قد سأل لابلاس كيف يمكن إفساح المجال لله في هذا التصوُّر، وقد ردَّ عليه لابلاس قائلًا: "سيّدي، أنا لست بحاجة لمثل هذا الفرض".
ولأنَّ الناسَ يعيشون في الكون ويتفاعلون مع الأشياء الأخرى بداخله، فإنَّ الحتميةَ العلميةَ يجب أن تنطبقَ على الإنسان أيضًا. فمع أنَّ العديد يَقبلُون فكرة أنَّ الحتمية العلمية تحكم العمليات المادية، فإنَّهم يقومون ببعض الاستثناء للسلوك البشريِّ لأنَّهم يعتقدون أنَّنا نمتلك إرادة حرَّة. ديكارت مثلًا، ولكي يحافظ على فكرة الإرادة الحرّة، أكَّد على أنَّ العقل الإنسانيَّ شيءٌ مختلِفٌ عن العالم الماديِّ ولا يتبع قوانينه. وبحسب رؤيته فإنَّ الشخص يتكوَّن من عنصرين، جسدٍ وروح. والأجساد لا تعدو شيئًا غير كونها آلاتٍ عادية، لكنَّ الروحَ ليست موضوعًا للقانون العلمي. لقد كان ديكارت مُولعًا بالتشريح وبعلم وظائف الأعضاء، واعتقد أنَّ عضوًا صغيرًا في منتصف المُخِّ، يُسمَّى الغدة الصنوبرية، هو المَقرُّ الأساسيُّ للروح. كما اعتبر أنَّ تلك الغُدّة، هي المكان الذي تتكوَّنُ فيه جميعُ أفكارنا، وأنَّها منبع إرادتنا الحُرّة.

Pages