You are here

قراءة كتاب التصميم العظيم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التصميم العظيم

التصميم العظيم

كتاب " التصميم العظيم " ، تأليف مجموعة مؤلفين ترجمه إلى العربية أيمن أحمد عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 6

إنَّ الفكرة الثورية القائلة بأنَّنا مجرَّدُ سكَّانٍ عاديِّين في هذا الكون، ولسنا كائناتٍ خاصَّةً تتميَّز بوجودها في مركزه، قد أيَّدها لأوَّل مرَّة أريسطرخوس Aristarchus (013 ـ 230 ق. م) وهو أحد العلماء الأيُّونيّين المتأخِّرين. لقد بقيت فقط إحدى معادلاته كتحليل هندسيٍّ معقَّد للملاحظات الدقيقة التي قام بها لحجم ظلِّ الأرض على القمر في لحظة خسوفه. فقد استخلص من بياناته أنَّ الشمس يجب أن تكون أكبر بكثير من الأرض. وربَّما بإلهام فكرة أنَّ الأشياء الصغيرة ينبغي أن تدور حول الأشياء العملاقة، وليس العكس، أصبح هو أول شخص يطرح الحجَّة القائلة بأنَّ الأرض ليست في مركز نظامنا الكوكبي، ولكنَّها تدور بدلًا من ذلك مع الكواكب الأخرى حول الشمس ذات الحجم الأكبر. إنَّها خطوة صغيرة نحو إدراك أنَّ الأرض ما هي إلَّا كوكبٌ وحسب ثم فكرة أنَّ شمسنا ليست شيئًا مُميَّزًا أيضًا. لقد توقَّع أريسطرخوس أنَّ الحال هكذا، كما اعتقد أنَّ النجوم التي نراها ليلًا في السماء ليست في الحقيقة أكثر من شموس بعيدة.
لم يكن الأيُّونيّون سوى إحدى مدارس الفلسفة اليونانية القديمة المتعددة. وكان لكلِّ مدرسةٍ تقاليدُ مختلفةٌ ومتعارضةٌ في أغلب الأحيان. لكن لسوء الحظِّ، فإنَّ نظرة الأيُّونيِّين للطبيعة ـ التي يمكن شرحها من خلال قوانين عامة واختزالها لمجموعة بسيطة من المبادئ ـ كان لها أثرٌ قويٌّ لمدّة قرون قليلة فقط. وأحد أسباب ذلك أنَّ نظريَّاتِ الأيُّونِّيين بدت كما لو أن ليس بها مكانٌ لفكرة الإرادة الحرّة أو الغاية أو لمفهوم تدخل الآلهة في أحداث العالم. كان هذا الإغفال مفزعًا ومثيرًا لقلق عميق لدى عدد من المفكرين اليونانيين، كما هو لدى كثير من الناس الآن. فالفيلسوف أبيقور Epicurus (143 ـ 270 ق. م) على سبيل المثال، قد عارض المذهب الذرِّي على أرضية أنَّه "من الأفضل اتِّباع خرافات الآلهة، على أن نصبح عبيدًا للمصير الذي يقول به الفلاسفة الطبيعيِّون". وقد رفض أرسطو أيضًا مفهوم الذرَّات، لأنَّه لم يستطع تقبُّل أنَّ البشر مكوَّنون من أجسام جامدة بلا روح. كانت الفكرة الأيُّونيّة بأنَّ الإنسان ليس مركزًا للكون، حدثًا مهمًّا في فهمنا لهذا الكون، لكنَّها كانت فكرةً تمَّ تجاهلها ولم يتمَّ استدعاؤها مرَّة أخرى، ولن يتمَّ قبولُها بشكلٍ عام حتَّى مجيء جاليليو Galileo، بعد عشرين قرنًا تقريبًا.
وكما تميَّزت بعض تخميناتهم عن الطبيعة بالتبصُّر، فإنَّ معظم أفكار اليونانيين القدامى لا يمكن اعتبارها مُرضية، كما هو الحال مع العلم الصحيح في العصور الحديثة. وذلك لسببٍ واحدٍ وهو أنَّ اليونانيين لم يبتكروا الطريقة العلمية، ولم تتطوَّر نظريَّاتُهم عن طريق التحقّق التجريبيِّ. لذلك فلو زعم أحد العلماء أنَّ الذرَّة تتحرَّك في خطٍّ مستقيم حتَّى تصطدم بذرَّة أخرى، وزعم عالمٌ آخرُ أنَّها تتحرَّك في خطٍّ مستقيمٍ حتَّى تصطدم بعملاق، فلن تكون هناك طريقة موضوعية لإنهاء هذا الجدل. وأيضًا، لم يُوجد تمييز واضح بين القوانين التي تتحكَّم بالإنسان وبين القوانين الطبيعية. ففي القرن الخامس قبل الميلاد على سبيل المثال، كتب آناكسيماندر أنَّ كلَّ الأشياء تنشأ من موادَّ أوليةٍ وتعود إليها، خشية "دفع غرامة أو عقوبة ثمنًا لمروقها". ووفقًا للفيلسوف الأيُّونيِّ هرقليطس Heraclitus (535 ـ 475 ق.م) فإنَّ الشمسَ تتصرَّفُ بتلك الطريقة التي تتصرَّف بها لكي لا تقوم آلهة العدل بملاحقتها. وبعد عدِّة مئاتٍ من السنين، فإنَّ الرواقيِّينStoics وهم مدرسة في الفلسفة اليونانية نشأت حوالَي القرن الثالث قبل الميلاد ـ قاموا بالتمييز بين التشريعات البشرية وبين القوانين الطبيعية. لكنَّهم قاموا بوضع القواعد التي تحكم تصرُّفات الإنسان والتي اعتبروها كونية ـ كتبجيل الآلهة وطاعة الوالدين ـ ضمن فئة القوانين الطبيعية. وفي المقابل، قاموا غالبًا بوصف العمليات الفيزيائية بمصطلحات قانونية، واعتقدوا بضرورة فرضها بالقوَّة، حتَّى لو كانت الأشياء التي يتطلب "خضوعها" للقوانين أشياء جمادية. فإذا فكَّرت في صعوبة إجبار البشر على اتِّباع قوانين المرور، عليك تخيُّل إقناع كُويكب(****) صغير بالتحرُّك في مسار قطع ناقص(*****).
بعد ذلك استمرَّ هذا التراث في التأثير لعدِّة قرون على المُفكِّرين الذين جاؤا بعد اليونانيّين. ففي القرن الثالث عشر تبنَّى توما الأكويني Thomas Aquinas (1274 - 1225) أحد أوائل الفلاسفة المسيحيين تلك الرؤية واستخدمها كحُجّة على وجود الله، فقد كتب "من الواضح أنَّ [الأجسام الجامدة] تبلغ نهايتها ليس بمحض المصادفة لكن بالإرادة... ولهذا فهناك وجود لشخصية عاقلة، يؤتمر بأمرها كلَّ شيء في الطبيعة حتَّى يصل إلى نهايته". مع أنَّه، وبنهاية القرن السادس عشر اعتقد عالم الفلك الألماني العظيم يوهانز كيبلر Johannes Kepler (1751 - 0361) بأنَّ الكواكب لديها عقلٌ مُدرك، وأنَّها تتبع بشكلٍ واعٍ قوانين الحركة التي تُدركها "بعقولها".
وتعكس فكرةُ أنَّه لابد من اتباع قوانين الطبيعة عمدًا، تركيزَ القدماء على سبب تصرُّف الطبيعة على النحو الذي تتصرَّف به، أكثر من الكيفية التي تتصرَّف بها. وكان أرسطو أحدَ المناصرين لهذا، حيث رفض فكرةَ أنَّ العلم يقوم بالأساس على الملاحظة. وعلى أيَّة حال، كانت المعادلات الرياضية وإجراءُ القياسات الدقيقة أمورًا صعبةً في العصور القديمة. فقاعدةُ الترقيم العشريِّ التي وُجد أنَّها تتوافق بشكلٍّ تامٍّ مع علم الحساب يعود تاريخها إلى حوالَي 700 سنة بعد الميلاد، عندما أخذ الهنودُ أولَ خطوات عظيمة لجعل الحسابِ وسيلةً قويَّة. ولم تظهر الاختصارات مثل علامتي الناقص (-)، والزائد (+) حتَّى القرن الخامسَ عشرَ. ولم توجد علامة يساوي (=) ولا الساعات التي يمكنها قياس الوقت بالثواني، قبل القرن السادسَ عشرَ.
إلَّا أنَّ أرسطو لم يَرَ في الحساب وفي مشاكل القياس عوائقَ أمام تطوير تلك الفيزياء التي يمكنها إنتاج تنبُّؤات كمومية. وبالأحرى فقد رأى أنَّه لا حاجة لإجرائها. وبدلًا من ذلك، بنى أرسطو فيزياءه على مبادئ بدت له ذات جاذبية فكرية. لقد تغاضى عن الحقائق التي رأى أنَّها غير جذَّابة، وركَّز جهوده على تعليل حدوث الأشياء، وكرَّس قليلًا من جهده ليشرح بالتفصيل ما الذي يحدث بالضبط. كما قام بتعديل استخلاصاته، عندما كان غير ممكنٍ تجاهل التناقض الصارخ مع الملاحظة. لكنَّ تلك التعديلات التي خُصِّصت للتفسير غالبًا، لم تقدّم سوى القليل لتجاوز تلك التناقضات. وبهذا لم يكن مُهمًّا الطريقة التي تنحرف بها نظريته عن الواقع بشدَّة، فقد كان بمقدوره تغييرها دومًا لتبدو كأنَّها قد أزالت التناقض بشكل كافٍ. على سبيل المثال، تحدِّد نظريته عن الحركة أنَّ الأجسام الثقيلة تسقط بسرعة ثابتة تتناسب طرديًّا مع وزنها. ولتفسير حقيقة أنَّ الأجسام تكتسب السرعة بشكلٍ واضحٍ أثناء سقوطها، قام باختراع مبدأ جديد مفادُه أنَّ الأجسام تستمرُّ متحركة في سعادة وبهجة، وبالتالي تتسارع عند اقترابها من حالة السكون الطبيعية، وهو المبدأ الذي يبدو اليوم مناسبًا أكثر لوصف بعض الناس وليس الأجسام الجامدة. ومع أنَّ نظريَّات أرسطو كان لها مقدرة قليلة على التنبُّؤ، إلَّا أنَّ مقاربته للعلم قد سادت في الغرب طيلة ألفي سنة تقريبًا.

Pages