كتاب "تحولات الصورة" للكاتب أثير السادة، يناقش من خلاله أهمية الصورة على واقعنا المعاش من كافة جوانبه، الاجتماعية والسياسية، فهل الصورة فعلاً تختصر تعقيدات الحياة، وتختصر تناقضاتها؟
You are here
قراءة كتاب تحولات الصورة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
جاءت الصورة وهي تحمل صفة المطابقة والمشابهة، وتختص بوظيفة العمل الوثائقي الذي يعنى بنقل الحقيقة كما هي، وكان أكثر الأسئلة جدلاً وقتها هو كيف يمكن ربطها بالفن دون أن يكون فيها عناصر التخييل التي تتصل عادة بأشكال التعبير الفنية، فسحة التخييل التي يتحكم فيها المبدع ليحيل إدراكاته إلى محسوسات ضمن قوالب فنية، فضلاً عن الاعتقاد بمحدودية قدرة المصور على التدخل في بناء الصورة، فما هو إلا أسير لميكانيكا الآلة وخصوصية الأحماض.
لا يمكن للصورة الفوتوغرافية بحسب المعترضين أن تلحق بركب الفنّ ما دامت لا تحمل شيئاً من روح الفنان وإضافاته، الزخم الروحي الذي يؤسس للقيمة الفنية لأي عمل إبداعي، وعليه اعتبر البعض التصوير ملجأً للرسامين الفاشلين وفاقدي الموهبة لا أكثر.
بعض الهجوم الحاد على الصورة كان دافعه خوف الرسامين على مستقبل الرسم بعد أن أخد التصوير في مزاحمته من حيث الوظيفة والقيمة، فكان واضحاً في المراحل الأولى مدى تأثر رسامي البورتريه على سبيل المثال بهذا الواقع الجديد، وتراجع الطلب على هذا النمط من الرسم لصالح الصورة الفوتوغرافية التي كانت تراهن على دقة التفاصيل، وعدم حاجتها لذلك العدد من الجلسات الطويلة اللازمة لإنجاز رسوم البورتريه.
لم تحظَ الصورة وقتها باعتراف المتاحف الفنية كواحدة من مفردات الفنون الجميلة، وظلت لاعتبارات كثيرة بعيدة عن العرض وعن الحضور الفني في هذه المواقع المعنية بعرض الأعمال الإبداعية في مسيرتها التاريخية، ومن الطرائف أن حادثة جرت في فرنسا عام 1862 تقدم فيها أحد المصورين بدعوى إلى المحكمة ضد شخص استغل فيها صورة من صوره، وحكمت المحكمة حكماً أولياً بعدم شرعية المطالبة على اعتبار أن حقوق الملكية الفكرية تطبق فقط على ما هو أثر فني وإبداعي، وبما أن التصوير ليس محسوباً على الفن، فلا أصل للدعوى!
كانت المقارنات المستمرة بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي تمثل عائقاً حقيقياً في دخول الأخير ساحة الفن، وفي إيجاد إدراك واضح للجوهر الفني لهذا الشكل المستجد من أشكال التعبير، ومن تلك المقارنات التي خرج بها السجال آنذاك هي سهولة تنفيذ اللقطة وعدم الحاجة للتدرب والتعلم قياساً بالرسم الذي يستلزم الدربة والدراية لإنجاز بورتريه على سبيل المثال، وهي مقايسة بها من التبسيط المخل، حيث تعمد إلى حصر جماليات الصورة في مجرد التقاطها، ولو كان الأمر كذلك لصحت المقارنة، غير أن صناعة الصورة الجيدة تستوجب في الحد الأدنى الإلمام بمفاتيح الكاميرا وآلية عملها فضلاً عن توافر الإحساس والخبرة الفنيين.
في المقابل، كانت تجربة التصوير الفوتوغرافي تسير باتجاه التمدد والاتساع متزامنة في ذلك مع تطورات التقنية التي حملت الكاميرا في مراحل مختلفة من صورتها الأولى ذات الجودة المتدنية، إلى آفاق التقنية بتحولاتها المستمرة، في سعي لم يتوقف في اكتشاف وسائط التحميض وأسرار مصادر النور داخل الغرف المظلمة واختباراتها.