كتاب " شعبة الزيتون " ، تأليف أبو العباس برحايل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب شعبة الزيتون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
شعبة الزيتون
"علاوة، يا ابني المسكين.." في تنهيدة عميقة حزينة، لا يدرى إن كانت صادقة أم مصطنعة، وتخفي وراءها ما تخفي من خطط وأحبولات.. أتكون هي أيضاً مشتركة في المؤامرة عليك أم أنت تظلمينها؟. لا، ليس وهماً، لا شيء أحب إلى امرأة من أن تزوج ابنتها البكر من ابن أخيها، ما دامت في وفاق مع زوجته.. هي الآن تعرف حالتك البائسة تمام المعرفة، أنت لاتستطيعين الإنجاب.. هذا هو قدرك المسطور. ثم إنك الآن مقبلة على العملية الجراحية المعقدة، التي يتحدثون عنها وينتظرونها بفرح وبفارغ الصبر، عملية يريدون بها أن ينحروك ويتخلصوا منك في أقرب وقت وحتى إذا نجحت العملية، وذلك أمر تستبعدينه، ما الجدوى في أن يضع رجل في بيته حطام امرأة عاقر، وهو لايزال في شرخ الشباب ويخطر في سرباله؟.. لا بد أن تراود العجوز أفكار وأفكار مثلما تراودك أنت..
ــــــ أنظري.. افتحي الباب يازهية يا ابنتي.. همهمت العجوز بصوتها الرخو، وكأن بها بحة مزمنة.. أحقاً أنها لم تنتبه إلى أن زهية كانت قد قفزت إلى الباب قفزاً قبل أن تأمرها هي بلهجتها المتعلكة؟.. لكنها ظلت واقفة متصالبة مع الباب وكأنها تنتشي بضغطات علاوة للجرس، وهي في الحقيقة تعاكسه وتعابثه، وكان هو يعلم بوجودها خلف الباب ولذلك بالذات، لم يرد أن يرفع يده عن قفل الجرس، حتى تبادر هي إلى فتح الباب فتكون الغلبة له في المعاندة والمشاكسة، وقد كسب الجولة فعلاً..
وصاح علاوة، وهو يقتحم قاعة الجلوس اقتحاماً في فرح ساخر، ضاغطاً على مقاطع ألفاظه وكأنه يريد أن يقول شيئاً آخر غير ما تعني الألفاظ: ــــــ هل جاء مسلسل النساء لذلك لا أحد يسمع الجرس؟.. وراح كالمعتاد يطبع قبلاته الباردة على وجنتي عمته التي يتهلل وجهها لهذه القبلات التي لا بد أن تقرأ من خلالها رسالة ما. وردّت عليه زهية بالأسلوب الملغز ذاته:
- لا. هذا مسلسل الرجال، دور النساء فيه محدود للغاية، أتدري يا علاوة، يا ابن خالي أن اسمي البطلين في المسلسل "علاوة وزهية" مثل اسمينا، أنا وأنت تماماً: زهية وعلاوة..
كانت تلفق، فاسم البطل في المسلسل علاء، طار علاوة فرحاً بهذه المصادفة التي لا شك أنها فأل مفعم بالآمال والأحلام. وصاح كالطفل:
ــــــ أحقاً؟.. أذلك صحيح؟.. ثم استدرك وهو يداري ارتباكه، حين غمزته زهية بطرف عينها باستخفاء منبهة لوجودك أنت يا علجية.. وقد شقيت شقاء مبرماً.. علاوة وزهية. الأمر جلي لا يحتاج إلى أي تورية أو مزيد من التلغيز، وقال يعاكس زهية:
- دعينا من هذا الآن، لكن اشرحي لي، ما قصة هذا المسلسل أيتها الحاقدة علينا؟ أعني الحاقدة على الرجال.
طبعاً ليس هناك حقد يا علجية، ذلك غزل مكشوف تعرفه كل نفس معذبة مثلك، وأن يتغزل رجل بامرأة أخرى، وبمحضر زوجته، فأمر فظيع قد لا يطيقه الصخر ذاته لو قُدر له أن ينطق ويشكو، وقالت زهية وقد أتاح لها فرصة التواصل اللفظي معه، وهي تجد في ذلك لذة وانتشاءً:
ــــــ موظف صغير ينزل مدينة صغيرة، فيتوهم المسؤولون المحليون بأنه المفتش العام للحكومة، والذي شاع بأنه سيفد على المدينة الصغيرة للتفتيش في حالة متنكرة، فتــــــُغدق على الموظف البسيط المجهول أموال وهدايا، ويحاط بكل تبجيل، وتقدم لزوجته المزعومة عشرات الهدايا الثمينة. ويقوم بمساعي الضيافة تلك "زهية " كاتبة رئيس الدائرة وعلاء، بل علاوة الأمين العام للبلدية، وفي هذه الحلقة الأخيرة ستنكشف الحقيقة، وربما يأتي المفتش العام، هل أزيدك شرحاً يا ابن خالي أدهم؟
ــــــ آه.. هي مسرحية المفتش لغوغول، قال علاوة مغتبطاً. ثم أضاف: مؤلف روسي يعيش أغلب فصول السنة في الدرجة العشرين تحت الصفر. وقالت، لا لجهلها، فالأمر معروف ومعلن عنه في المقدمة الموسيقية بالبنط العريض، لكن مجاراة لعلاوة في الحديث، لأنها حقاً تجد في ذلك لذة قاهرة، ولهذا خرجت عن عادتها عندما يحين موعد المسلسل اليومي، حيث تتخذ مكانها الملائم أمام الشاشة لتتفرج بإمعان في أدق تفاصيل الصور والمشاهد بكل جوارحها، وتنصت لكل كلمة وهمسة يأتيها الممثلون، وتطلق صيحات التأثر وتتنهد بملء الصدر والفم إذا لزم التنهد، وتمسح الدموع من عينيها وقد انغمست تماماً في المواقف الدرامية لأنها غالباً ما تتقمص الشخصيات والأحداث والمواقف من دون إرادتها. فما الذي غيّر سيرتها هذه العشية، وتنازلت عن متابعة فقرات مؤثرة، فلم تأبه ولم تنتبه لها. إنه وجود علاوة قبالتها، إنها تحيا لحظات مفعمة بالسعادة، لحظات قصة فعلية، فما حاجتها لقصة خيالية؟