كتاب " عباءة حب " ، تأليف ماري رشو ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب عباءة حب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

عباءة حب
4
تزوجت في سن العشرين، بعد خطوبة دامت عامين. كنت آنذاك أحمل أفكاراً جميلة، وقناعة تصل إلى حد الاستسلام؛ فالارتباط يعني الصدق والوفاء، يعني البيت والأسرة والحب. كان لتلك الأيام طعم الاندفاع والأمل، فأزهو حاملة أحلامي، مجدّدة عهدي، فسأكون وبكل ما أحمل لمن اخترته شريكاً، أعيش معه في كل ظروف الحياة كيفما كانت هذه الظروف.
لم يأتني الزواج بالفرح، كان كل شيء غريباً عليّ، ربما لصغر سني، أو لعدم خبرتي بإدارة بيت أو ما يتعلق بمتطلبات زوج. وربما لأنني من أسرة محافظة، حظّر عليّ الخوض في الأمور التي لها علاقة بمتطلبات الجسد.
أكثر ما أذكره عن أمي، هو استسلامها في أوقات الفراغ لقراءة الكتاب المقدس. وحين تحادثنا تبدو كمرشدة وهي تستشهد بما قرأت. حفظنا أنا وأخي كثيراً مما رددته على مسامعنا. أكثر ما تعودت عليه آنذاك، نصائحها وإرشاداتها، كانت تستثني أخي أمام بعض المفاهيم، فالشاب لا تعيقه الأقاويل.
استطعت التأقلم مع زوجي في بداية الأمر، أو أنه أوحى إليّ بذلك، إلى أن اكتشفت مع الأيام أنني لم أستطع تلبية حاجات جسده، التي كانت من أوليات اهتماماته. في وقت أتاني اعتقاد بأننا متشابهان أمام الرغبات، التي باءت بالفشل منذ بداياتها وراحت تخف شيئاً فشيئاً، إلى أن كرهت تلك العلاقة، وبات التهرّب منها مكشوفاً، فتباعدت لقاءاتنا، ويوم أنجبت ابني الوحيد وبعد سنوات من الزواج كنت في منتصف العشرينيات.
لم تكن لي مشكلة أمام تلك العلاقة، خاصة ولأن في مجتمعاتنا نحن النساء تطرح مثل هذه الأمور، ففي سن معين يتصادق الزوجان. كان هذا أمراً جميلاً يدغدغ مشاعري. أليس جميلاً العيش بصحبة رجل هو الشريك والصديق؟
لم يدر في ذهني آنذاك أمر له علاقة بوجود امرأة تكون البديل، كنت أشعر بالتميّز والتفوق، ربما لثقتي بنفسي، أحمل آراء صقلتها قراءاتي المتنوعة، كان هذا أكثر ما كسبته وأنا أشبّ بين أحضان أسرتي.
أحببت زوجي كما أحبني، بقي بيننا ذلك الود والاحترام، لم نختلف على أمر، فنبدو في المناسبات أكثر تفاهماً، نبتهج أمام تعابير الاستحسان، أو لأننا القدوة لزوجين منحتهما الحياة فرص النجاح. غير أننا وحين ننفرد، نصبح شخصين آخرين، فيعرف أنني سأهرب من فراشه، أو أنه لن يحاول الاقتراب من فراشي، وأحاول بطريقة ما بث مشاعر الامتنان له، فأنا في غاية قصوى من التعب، وعليه احترام وضعي الذي لا يد لي فيه.
أفسر الآن كل تصرف أو حركة. أكتشف الآن معنى علاقتي بزوجي التي لم أعرف الخوض فيها، فهل كنت سبباً في انحرافه؟ هل حين اكتشفت دور الجسد عذرت بحثه عن البديل؟ وأتساءل الآن، هل لفتور العلاقة من سبب؟ وهل لو تمتنت تلك العلاقة لاختلف الأمر معك؟ وهل كنت ستبقى في عيني أبشع الرجال؟
لماذا لم تتبدّل نعمة وبقي ميّار في عينيها أجمل الرجال، ولماذا تبدلت أنا؟ سؤال خطر على بالي كثيراً، وكان الجواب يصر على اتهامي، فأنا التي تبدّلت ما دامت هي لم تتبدّل، وحافظت على ما يربطها بميّار في غيابه كما في حضوره، وربما لوفائها حافظت على استمرار العلاقة بيننا.
كان ميّار طويل القامة. أسمر اللون. على وجهه مسحة هدوء. أما من ينظر إليه فسيكتشف ابتسامة لا تهدأ، وتحتار في لون هاتين العينين، ربما كان خليطاً من لون البحر وورق الزيتون.
لم يكن لزوجي من صفات ميّار. كان أبيض اللون. بعينين سوداوين. كان متوسط الطول. ثقيل الحركة. يعتقد من يراه أنه مثقل بالهموم.
لماذا أحدثك بكل هذا؟
هل لأقول إن ميّار أحب امرأة واحدة، وإنّ سامح تعدّدت في حياته النساء.
كان هذا قبل سنوات طويلة، قبل أن أصح أماً، وقبل أن تتعدّد في حياته العشيقات.
لماذا أتذكّر كل هذا؟
هل لأخلق تبريراً لما أنا فيه؟ هل لأتوقف عن التساؤلات؟
لو كنت أصغر سناً، لأطلقت على ما أنا فيه حباً، ما الذي أقوله في عمري الآن؟ أشبه الغريق الذي يتمسك بآخر أمل، أو هي اليقظة قبل ساعة النهاية.
لا أذكر كيف كنت قبلك، أو كيف قضيت كل تلك السنوات. أذكر أنني كنت راضية بكل شيء.
لم يكن لي تطلعات عدا أمور بيتي الجميل، وتصيّد السهرات التي تضم أفراد مجتمعنا ذاك، فأزهو هناك، وقد أنتشي كما يحدث للجميع، فأنهض للرقص من دون استحياء، وأدرك أن الأكف ستعلو بالتصفيق، وربما استقبلت نظرات الإعجاب، من نساء ورجال على حد سواء، غير أنني لم أنس قط أول مرة أزحت الحياء عن وجهي.