كتاب " فلتة زمانه " ، تأليف فيصل فرحات ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب فلتة زمانه
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فلتة زمانه
فلتة زمانه
«تزحلقت» قدمي بالصابون وأنا جالس على «الطبلية» في أرض الحمّام، ضربت قدمي الثانية بابور الكاز فوقعت «تنكة» الماء الساخنة على رجليّ. فصرخت بأعلى صوتي مرّات عديدة: «حرقت إجريّ»!
مع صراخي وبُكائي، فتحت باب الحمام وأنا متكىء على الحائط، ورجلي اليمنى مرفوعة قليلاً عن البلاط، والشابان التلميذان زميلاي في الغرفة، واقفان قرب الباب وهما خائفان من المنظر، وبخاصة اللحم الأحمر والجلد المنتفخ «بالونات» و «المقشور»، في رجليَّ. وحين تعالى صوت وصراخ أم جان وابنها، «ربطت» المنشفة حول جسدي وأنا أبكي! ولما ازداد صراخها وبكى ابنها، حملني الشابان من الحمّام إلى الصوفة، محاولين تهدئة الجو بكلمات مثل: «انشالله خير.. منيح هيك مش أكثر.. الحمد الله على السلامة.. وبسيطة جرح وبيصح». جففت جسدي وارتديت ثيابي الداخلية، بعد أن ناولني إياها أحد الشابين. (عاد إلى الحمّام وأخذها عن «التعليقة»). أما الشاب الثاني «لبّسني» «البيجاما» حذراً من عدم مرور القماش على الجروح. ثم عاد الأول ورفع طرف «البيجاما» وطواه، فوضع المرهم على الجرح كما أرادت أم جان وهي تقف وتنظر وتصرخ و.. «تعطي الأوامر».
أما أنا فكنت أصرخ «كبتاً» من وجعي، وأبكي بصوت «مكبوت»! بعد «لفلفة» رجليَّ، وضعتهما على وسادة أخرى، وغفوت لحظة أنْ «تمددت» ببطء ملحوظ على ظهري، وأنا أقول: «يسلّم دياتكم» و «تصبحوا على خير».
في صباح اليوم الثاني، بقيت في الفرشة على غير عادتي، ناظراً ومتفحصاً الجرح والورم، وملامساً «فقاقيع» الماء في رجليَّ، والشابان يحاولان عدم النظر، حينها حاولت المزاح معهما ببضع كلمات وهما يخرجان إلى المدرسة. أما أم جان فقالت لي من أمام باب الغرفة، بأنه كان عليَّ وضع «تنكة» الماء على الأرض وألا أبقيها على «البابور»، وما إلى ذلك من ملاحظات ونصائح، لكنها ختمت كلامها بأن المرهم الذي أعطتني إياه سوف يشفي الورم والجرح، وكذلك قال ابنها جان قبل ذهابه إلى المدرسة. بعد نصف ساعة، قالت لي أم جان بأنها ستخرج من البيت كي تشتري أغراضاً، ثم سألتني إذا كنت سأزور أمي وأخبرها بما حصل معي فأجبتها بكلمة: «أي أكيد». فأغلقت الباب وراءها.
بقيت وحدي أنظر إلى سقف الغرفة، وإلى اللاشيء، نادماً على ذاك الخطأ الذي حصل معي، وهو إبقاء «تنكة» الماء الساخنة على «البابور»! ثم وبمساعدة «عكازة» كانت قد أعطتني إياها أم جان مع المرهم، دخلت إلى الحمّام. ومن ثم أعددت الشاي، وسكبت كوباً لي، وعدت إلى الصوفة. وضعت كوب الشاي على طاولة صغيرة، وتمددت على مهلٍ رافعاً رجليَّ على وسادة. ونظرت إلى اللاشيء! لحظات، ثم قررت الذهاب إلى الحيّ، كي أنادي أمي، وأخبرها بحرق رجليَّ. وهكذا حصل.
ارتديت ثيابي، ثم «ربطت» خفّاً برجليّ، وخرجت من البيت، بعد أن تأكدت من وجود المفتاح في جيبي. مشيت بصعوبة بمساعدة «العكاز» والخفّ «المربوط». وحين وصلت إلى بيتنا، وقفت على رأس الدرج وناديت أمي التي صرخت بفرح: «إنتي هون؟» فأجبتها بصوت عالٍ فيه شيء من الغضب: «حرقت إجريِّ»! فردت سائلة: «حرقت شو؟» فرددت: «إجريِّ... إجريِّ..»! وحين أطلت من الباب، رفعت إحدى رجليَّ وأنا متكئ على «العكاز»، ثم رددت باكياً: «حرقت إجريِّ»! فصعدت الدرج بسرعة، و «اجتازته» درجات.. درجات، وهي تصرخ بكلمة: «يا مشحرة يا أنا»! لحظتان وكانت أمي قد وصلت إلى أعلى الدرج، وانحنت لترى الرباط يلفّ رجليَّ، ثم قالت لي انزع «الرباط» لترى الحرق، ففعلت. توقفت عن فك «اللفة» حين ظهر المرهم حول الحرق والجرح في رجلي اليمنى، التي كانت متضررة أكثر من الرجل اليسرى. على ما أذكر. حينها عادت تصرخ وهي تبكي فجأة مرددة كلمتها الشهيرة: «يا مشحرة يا فاطمة»! فتجمع عدد من الأولاد حولي، فيما أعادت أمي الرباط كما كان، وهي تلعن أبي والشيطان وهذه الحياة!