قراءة كتاب فلتة زمانه

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فلتة زمانه

فلتة زمانه

كتاب " فلتة زمانه " ، تأليف فيصل فرحات ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

استيقظت على مناداة غسان لي بكلمة: «شو باك؟ وشو عامل بحالك؟» فرفعت رأسي وأنزلت رجليَّ على الخشب، وبلشت خبّرو «الخبريّة» بعد التحية والسلام. فنظر إلي بشفقة وهو يلوي رأسه مردداً بضع كلمات منها: «كيف عملت بحالك هيك؟» وما شابه. ثم أكملت بأني انتظرته حتى أخبره ماذا حصل معي. ولكي يعرف ذلك بقية الرفاق في الحزب. فرد قائلاً أن أذهب وأنام في بيت أم جان، وغداً أو بعد غد أعود إليه لأخبره بتحسُّن رجليَّ. ثم مد يده إلى جيبه وتناول «فراطة» حوالى ليرة وأعطاني إياها، فأخذت القروش وشكرته كثيراً وأنا أنهض بمساعدة العصا، بعد أن حملت «كيس أمي»، وخطوت نحو الدرج. ثم استدرت نحوه وسألته إذا أصدر الحزب بياناً للتوزيع؟ فأجاب بأن هناك بياناً سيصدر «بهاليومين» عن الانتخابات النيابية (عام 1972). ففرحت وأبديت استعدادي لتوزيع البيان قبل أن تُشفى رجلاي. فضحكت أمه وأخته فاديا، وهما واقفتان في فسحة الدار. وكذلك غسان وأنا! ثم عدت وحاولت أن أكون جدّياً وغير مُضحك، وسألته عن الانتخابات النيابية؟ وماذا علينا كحزب أن نفعل؟ فرد بشيء من «النرفزة» قائلاً بما معناه: «حل عني هلق. بعدني واصل من الشغل وبدي اتحمم. رايحين الليلة على طرابلس لنهني الرفيق نقولا الشاوي. يللا روح» فأجبته: «رايح.. رايح.. لكن قللي بس كلمة. لشو رايحين على طرابلس؟ وتهنوا الرفيق نقولا على شو؟". فرد بكلمة: «سمحولو يترشح على الانتخابات..». وكذلك قالت أمه. فأجبته بصوت عال: «والله أي عال. ومن وين بدكن تروحوا؟». فقال وهو يضربني «سحسوح» على رقبتي: «من العادلية. يللا فل من هون. كل شي بدك تعرف؟». فاستغرقت أمه وأخته في الضحك وضحكت بدوري، ماسحاً رقبتي بيدي، ونزلت الدرج متعرجاً! وحين وصلت إلى حافة الطريق الترابية عدت ونظرت نحوهم مودعاً. قال لي غسان: «بكرا المسا تعا لهون، وبخبرك شو صار معنا الليلة». فهززت رأسي وتمتمت كلمة غير مسموعة، ومشيت. على الطريق، فكرت وقررت أن أذهب الليلة إلى طرابلس. فبدت لي الفكرة غريبة وفيها شيء من الجنون. لكن فرحتي بـــــ«مشوار» كهذا مع الرفاق لتهنئة الرفيق نقولا (أمين عام الحزب) بالسماح له كي يكون نائباً في الحكومة (مجلس النواب) من أجل تحقيق الاشتراكية، كانت تُسيطر على تفكيري وخيالي خاصة بعد أن تذكرته حين كان يخطب من وراء «المكرفون» في المؤتمر الثالث للحزب. صعدت الدرج إلى بيت أم جان والعرق «يكتّني» من التعب والفرح في آن. وحين وصلت إلى الباب قرعت الجرس وانتظرت قليلاً حتى فتح جان الباب. فرحب بي ضاحكاً وسألني أين كنت كل النهار؟ فأجبته. وكذلك أخبرت الشابين وأم جان. وقلت بأن أمي طبخت لي «مجدرة» حمراء. ودخلت تواً إلى المطبخ، حيث وضعت «كيس أمي» في البراد. ومشيت نحو الغرفة وتمددت على الصوفة، وأنا أُفكر في اختراع كذبة، كي أخرج من البيت وأذهب إلى «العادلية» (قصر العدل) ومن هناك إلى طرابلس. أذكر بأني ما عدت أشعر بوجع حروق رجليَّ، ما عدا بعض التعب من المشي متعرجاً، وكانت العصا هي قوتي، لأنها ساعدتني كثيراً طوال النهار، وهي سوف تساعدني أيضاً في هذه الليلة. وفيما كنت سارحاً في خيالي، محاولاً تركيب و «تظبيط» الكذبة، توقف عن الدرس أحد الشابين سائلاً زميله: «شو بدنا نتعشى الليلة؟». وفجأة، خطرت في بالي كلمة أتت من تلقاء نفسها، قائلاً لهما: «عشاكن بالبراد» فرد السائل عن العشاء بفرح ودهشة: «المجدرة» إلّنا؟». فأجبته بما أحبّ أن يسمع، وأضفت من عندي كذبة بيضاء تفيد: «أمي بتسلم عليكم وتدعي لكم بالتوفيق والنجاح في المدرسة». فضحكا وقالا بضع كلمات. ثم سأل أحدهما إذا كان العشاء يكفي لثلاثة. فأجبته بأني «معزوم» على العشاء في بيت صاحبي غسان. فرد الثاني «يعني راجع رايح؟» فهززت برأسي، ثم أضفت كلمة من «حبل الكذب» بما معناه: مضطر أقبل «العزيمة» لأن غسان ساعدني على تعلم مصلحة النجارة. فتابعا الضحك، وترداد كلمات الشكر والمزاح. فنظرت نحوهما وأنا أضحك معهما، ثم طلبت منهما مساعدتي على تغيير «الرباط» وتنظيف الجروح، ووضع المرهم. فوافقا وضحكا بصوت عالٍ، مما دفع جان وأمه إلى التقدم نحو غرفتنا سائلين: «شوفي؟ على شو عم تضحكوا؟» فأجابا بما قلت، مما لم يعجب أم جان. إذ ألحت عليَّ بالبقاء في البيت وأرتاح كي «أصح». لم أشأ أن أجيب عما قالته أم جان. بل خطر في بالي أن أشكرها للمرة الثانية أو الثالثة على ذاك المرهم الذي «فعل فعله» بتخفيف وجعي. فردت باعتزاز «هالمرهم أحسن مرهم»، وكذلك قال ابنها. حينها تراءى لي تكرار مدح ذاك المرهم، مما رسم البسمة على وجه أم جان، التي طلبت من الشباب متابعة تنظيف الجرح، ووضع المرهم العظيم على الجروح. ففرحت أم جان بما سمعت، وختمت بأنها لا تشتري سوى الأدوية والمراهم الغالية، لأن «حقها فيها». ثم أضافت بعد أن تذكرت، بأن لديها الكثير من الشاش والقماش الأبيض، ثم ذهبت مسرعة لتأتي بها. في هذا الوقت، ساعدني الشابان وبخاصة الذي قال: «المجدرة إلّنا؟». (لا أذكر اسميهما لسبب ما، ربما لأني لم أتحدث معهما كثيراً، ولأني كنت في أغلب الأوقات آتي في المساء وأنام مباشرة بعد العشاء. وفي الصباح كنت أخرج من البيت إلى العمل باكراً).

تناول أحد الشابين المرهم والشاش والقطن، فيما أمسك الثاني بقطعة قماش بيضاء طويلة، لربما كانت مقصوصة من شرشف. لحظات، «كتمت» فيها تأثري بالوجع، مردداً إعجابي بذاك المرهم. وباحتيال طبيعي قلت بأني أشعر وكأني «صحّيت». وبعد يومين أعود إلى الشغل، مضيفاً بضع «نكات»، متذكراً ضحك جورج وترداده لكلمة «تزحلقت» رجلي بالصابون، فضربت «البابور» ووقعت «تنكة» الماء. مما كان يُضحك الشابين وكذلك جان. وذلك من أجل تهيئة الجو، قبل أن أعود وأخرج من دون رفض أم جان. وهكذا حصل. إذ وبعد الضحك والمزاح، حيث شاركتنا فيهما أم جان، وبخاصة بعد أن أكثر جان من الضحك لسبب ما، لفت انتباهي. حينها نهضت عن الصوفة ممسكاً بالعصا، قائلاً للشابين إن عشاءهما في البراد. وكررت سلام أمي لهما ولأم جان وابنها. حينها سألني ذاك الشاب (الذي قال: «المجدرة» إلّنا؟) «ما هو العشاء اللي معزوم أنا عليه؟» فأجبته بفطنة أتت من خيالي: «ملوخيّة»! فرد بفرح وبصوت عال: «ملوخيّة؟». وأضاف جان: «أوه.. الملوخية أكلة طيبة». دخلت إلى الحمّام بخطى بدت ثابتة بمساعدة العصا، حيث غسلت وجهي وأنا متكىء على المغسلة، وعدت إلى الصالون، ثم قلت للجميع بأني سأعود بعد ساعة، أو ساعتين إذا كان في السهرة مزاح وضحك. فتحت الباب، وتأكدت من وجود المفتاح في جيبي، وخرجت. تبعني إلى عتبة الباب صوت أحدهم متمنياً لي بأن آكل «شبعتي» من «الملوخيّة». فضحكت، وهكذا فعلوا بدورهم.

Pages