كتاب " الوشق والذئاب " ، تأليف أيمن كامل ملكاوي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب الوشق والذئاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الوشق والذئاب
العاصفة
العاصفة المجنونة تتلوى كإعصار كأنه مارد، قد قطع الطريق على كل وارد وشارد. أما بردها فزمهرير، تجمدت معه دموعها لقسوتها فصارت حبات برد كأنه خرز يخز الأبدان. تراكمت الحبات فأصبحت جمالات، فغطت مسافات، اختفت تحتها الأوطان. الثلج الأبيض ران عليها وغلّفها. فصار قلبها أقسى من قلب الإنسان. فهجرته ونسيته بعد أن رضيت بالثلج البارد غطاء لها.
الحيوانات كانت قد تجمعت عند الوشق. هذا المخلوق الجميل، برغم بأسه. واللطيف برغم قسوته. أذناه كبيرتان وطويلتان، ربما ليسمع أكثر مما يتكلم. فيقال إنه يسمع الصمت. فما هو بأسد تعرفه ولا بقط يجبن فتنهره. قد جمع الصفات من أوسطها. الحيوانات تأتيه مرة كل أسبوع لتتعلم. وكانت تصغي إليه كلما تكلم. فهو قليل الكلام، ولكن إن تكلم فكلامه حكمة. يستيقظ والخلائق نيام. والأغرب من ذلك كله أنه دائم الصيام. فالأرانب والدجاجات والطيور لا تخشاه لما ترى منه من حنان. ولكنه إذا غضب، غضبت معه الدنيا. ولذلك تفسر الحيوانات أن العاصفة لم تكن إلا غضب قلبه لفساد كل شيء من حوله. ولكنه لا يصرّح. وإذا سأله أحد فقد يلمح.
"أيها الوشق، لقد سيطرت الذئاب على الغابة، ولم تترك لنا شيئاً نأكله، أو زرعاً نحصده. فلا نجرؤ على الخروج من الجحور. ونأتيك خلسة كأننا لصوص أو أهل فجور." قالت الأرنبة الطيبة.
نظر الوشق إليها مبتسماً، ثم نظر إلى الدبّ الذي استيقظ تواً من سباته الشتوي وكأنه يريد أن يسمع رأيه.
نظر الدب إليها وقال:
"كيف ذلك؟ وما حاجة الذئاب إلى طعامك؟ أنت تأكلين الخضروات والجزر. والذئاب تأكل الأرانب واللحوم حتى الجواميس والبقر."
"نعم. تكلمي كلاماً نفهمه، أو قولاً نعقله. أم تراك فقط تريدين الكلام كي تجلبي الانتباه والاهتمام." قال القندس المهندس.
قفزت الدجاجة البرية بوسط الحلبة وقالت:
"هي تقصد أنها لا تستطيع الخروج، خصوصاً بعد أن غطى الثلج كل المروج."
ضحك الجميع وهم ينظرون إلى الدجاجة البرية وقالوا:
"صمتِ دهراً ونقطتِ كفراً."
أما الدب فقد كان ينظر إليها بنظرة غريزية. فهي وصديقتها الأرنبة طعامه. ولكنه قطع للوشق عهداً بأن لا يفكر بأسنانه، ما دام يأتيه ويتعلم أمامه.
صمت الجميع عندما وقف الوشق ونظر إليهم. ثم نظر إلى الهدهد وقال:
"أيها الهدهد، ما آخر الأخبار؟ أم أن العاصفة حبستك فصرت قليل الأسفار!"
طار الهدهد من زاوية الكهف نحو الوشق ووقف بين يديه وقال:
"لم تعد الأخبار بحاجة إلى هدهد كي يوصلها. فهي في كل مكان من البحار حتى الأنهار. "
"نعم ولكن هل من جديد؟" أجاب الوشق.
فهزَّ الهدهد رأسه مستنكراً وقال:
"ايه، لقد أكل القط الفأر. وافترس أسد الجبال الحمار. وتحالفت الذئاب وطردت الضباع فسيطرت على الغابة حتى البحار. وزعيمتها يقظانة قد سيطرت على القريب والبعيد. هذا هو الجديد."
نظر الوشق نحو الدب وقال:
"ما قولك؟ وما الحل برأيك؟"
نفش الدب فروه وقال:
"ليس أمامنا سوى أسد الجبال. فهو من يستطيع أن يقضي على الذئاب ويصلح الحال والأحوال."