كتاب " الوشق والذئاب " ، تأليف أيمن كامل ملكاوي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب الوشق والذئاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الوشق والذئاب
طيور الحب
الجمال المبثوث في جميع أركان الأكوان يعكس تجليات الإبداع بلغة المعرفة لمن عرفها ثم صام عن الكلام. ولكن ذلك المزيج الرائع بين الأجساد والأرواح حيث المنطقة الشائكة بالتناقضات يكمن ما تعارفت عليه أسرة البشر بمسمى الخير والشر، فتتمحور الشرور كانعكاسات تعكّر صفاء الجمال للناظر إلى سطوح الأشياء، أما الحقيقة فهي شيء آخر. فلنبق إذن مع الجمال بمظهره المعروف ولنحلق بأنظارنا صوب السماء التي تبدو زرقاء فنشهد اكتمال الروعة بطائرين جميلين يطارد كل منهما الآخر بعهد الإخلاص والمحبة حتى كان اسمهما طيور الحب. هذه الطيور التي جسّدت معنى إخلاص العهد فلا يفارق أحدهما الآخر وإن حصل فليس للمفارق سوى الموت راحة من عذاب الخيانة سواء كانت بقدر موت آخر أو بشكلها المعروف.
هبطا معاً برقة ولطف على غصن الشجرة قرب العش وقال الحبيب:
"ليست اللباقة أن أسبق حبيبتي فتفضلي يا أنيستي."
ضحكت الحبيبة وقالت:
"أين أمك لتسمع قولك؟ إنها تلح في طلبك فلمَ لا تذهب إليها؟"
"أتدرين يا حبيبتي! برغم كل الحب وكل الجمال، ما زلت أحلم بصفاء القلب فلن يصفو حتى أعرف قاتل أبي فآخذ بثأره وثأري."
"يا حبيبي أعرف كم تتعذب ولن أطلب منك أن تسامح لأني أخشى أن أنتقص رجولتك بالتخلّي عن عهدك."
هذا كان حوار المحبين. تلك الطيور الغارقة في بحر المحبة تتكلم عن الثأر والانتقام. طار الحبيب إلى أمه العجوز، هذه أول مرة يطير بعيداً عن حبيبته، هذه أول مرة يطير وحيداً من دون حبيبته.
"مرحباً يا أمي."
"أهلاً يا ولدي، كم كنت أحلم بأن أراك كبيراً، وصنت أباك بك وآن الأوان كي أريح وأستريح."
"ما هذا الكلام يا أمي!!"
"يا ولدي إن أردت الرضا، فعن ثأر أبيك لا تتخلّ. حتى وإن كان أقرب الناس إليك."
"أمي... ما هذا الكلام؟ أرجوك أفصحي." أجابها والشكوك بدأت تتسلل بين جناحيه حيث قلبه.
"قاتل أبيك هو... هو..."
"تكلمي يا أمي أرجوك!!!!!"
"هو أبو الحبيبة. "قالتها وكأن جبلاً ثقيلاً أزيل عن كاهلها وألقته على كاهل ولدها.
"ماذا!!! أي كلام هذا!!! لاشك أنك تمزحين يا أمي." صرخ والدهشة أسقطته بين قدمي أمه. حبست في عينه دمعة. رفع رأسه صوب أمه.
"لا... إنها الحقيقة يا ولدي."
أجاب مع حشرجة الكلمات في جوفه:
"أتدرين ماذا فعلت بي يا أمي!!! لقد قتلتني ألف مرة وليتك لم تنجبيني."
زغردت الأم زغرودة النهاية للسر المدفون في صدرها وحلقت بعينيها حيث البداية، حيث الأزل وبلحظة اخترقت عالم الأبد المعلوم لأهل المعارف والمجهول لأهل السطوح والزخارف والتحقت بزوجها لإتمام العهد وفارقت الدنيا.
كانت كلمة ألقتها على قلب ولدها فأصبحت مأساة. صرخ الحبيب على أثرها صرخة دَوّت لها الغابة. طارت الصرخة حتى وصلت إلى أذني البوم الذي كان ينهش فطوره مع اقتراب الليل وبداية نهاره فأنهضته فقال:
"هذه صرخة تقطر ألماً وثأراً."
حلق مسرعاً لينشر الخبر الذي ما لبث أن انتشر، فوصل إلى أذني الحبيبة. ما كانت إلا كلمة حولت النعيم إلى جحيم حلقت الحبيبة فوق أوديته، لا تصدق ذلك الذهول المجهول المتسلل عبر الجبال والأودية. فلطمها الخبر بصيحة الحبيب. آه من صرخة الحبيب على قلب الحبيبة، وعجباً من كلمة تسقط صاحبها من النعيم إلى الجحيم.
بحثت عن حبيبها في كل الأرجاء، تمنت لو تصل إليه قبل أن يقتل أباها فينقطع الرجاء. فهي تسمع حوارهما ولكنها مازالت بعيدة... حلقت... طارت... ارتفعت...وصلت هناك حيث البعيد القريب...
هبط الحبيب أمام الأب والصمت خيم على أغصان الغابة حيث تجمعت الطيور من كل مكان. أولها البوم وآخرها الهدهد. صمت مريب قاطعه الحبيب بصرخة أجابها الأب:
"أخيراً أخبرتك أمك!!!! ما كان ينبغي لها قتل ولدها. ولكنها صانت عهد المحبة لأبيك وهذا قدرنا نحن طيور الحب."
"لماذا قتلته؟؟؟"
"وما الفائدة من سر لا تنبغي معرفته. ابحث عن السر في الحب وأرحني واسترح." أجاب الأب كأنه كان ينتظر هذه الساعة.... كانت كلمات كأنها استصراخات من عجوز ملهوف للالتحاق بعالم العهد الأول وما أن دقت أجراسها أغمد الحبيب مخلبه في صدر الأب حيث التحم القلب بالقلب فانكشفت الأسرار أمام الأب الذي شهق.... ثم زغرد زغرودة الأم نفسها عندما قدمت ولدها شهيداً في سبيل العهد فسقط الأب ومات. أخرج الحبيب مخلبه الملطخ بالدماء ونظر إلى حبيبته التي وصلت في النهاية وهي تتأرجح بمهبطها ومدرجها وصرخت،،،، ثم صرخت.
وقف الحبيب أمامها ونظر في عينيها الغارقتين في الأسى والأحزان ويوشك أن يغيب ونفسه تأبى حتى صام عن كل الكلام. التقت العيون. عيون المحبين تتكلم عندما تلتقي فأخبرها بأنه سيصون عهدها ويأخذ بثأرها وكانت نهايته بأن قتل نفسه بنفسه، فلحق بأمه وأبيها.
أما هي فألقت بنفسها فوق جثته الهامدة وصرخت. ثم صرخت صرخة أفزعت كل الطيور التي بكت.... ثم تراجعت ومرغت وجهها بالتراب. ثم رفعت رأسها صوب العهد الأول لعلها تجد الجواب هناك. فمن يأخذ بثأر حبيبها من قاتله سواها؟ وعندها صلت... بكت... واستغرقت في الدموع حتى غابت عن نفسها فوق حبيبها لتلتحق به هناك حيث لا ثأر ولا انتقام. حيث الحب والوجد والهيام.