You are here

قراءة كتاب الأوتاد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأوتاد

الأوتاد

كتاب " الأوتاد " ، تأليف سعيد بن سلطان الهاشمي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

هل تحتاج التنمية للحرية؟

سؤال علينا اختباره بشكل معمق، لكي نشعر بأهمية ما نطالب به، ونعيش حقيقة ما نؤمن به. فما الذي يجعل الحرية مهمة للتنمية، وهل هذه الأخيرة بإمكانها المسير بدون حرية؟ أنا لا أظن ذلك، بل أعتقد أن أيَّ تنمية بحاجة إلى الحرية وبشكل أساسي، وبالذات حرية الفكر، والتي تتطلب أن ُيحرر العقل، ويفسح أمامه المجال واسعاً لينطلق، ليفكر ويبدع، ليمارس دوره الملتزم في مجال المعرفة وتشخيص المسار. فالإنسان المكبوت الحرية هو إنسان مشلول القدرة والإرادة، لا يستطيع أن يوظف طاقاته وإمكاناته. كما أن" الحرية هي بالضبط الطابع الأساسي للإرادة مثلها مثل الثقل للأجسام... فالكيان الحر هو الإرادة، والإرادة بدون حرية كلمة جوفاء بينما لا تكون الحرية واقعية إلا بوصفها إرادة" (19).
فإذا ما تتبعنا مكانة الحرية في التنمية على مستوى الفرد والمجتمع، يتبين لنا أهمية كونها أساساً على المستويين، وبشكل متوازٍ، فالحرية الُمشَكِلة للفرد بالضرورة هي محفزة لبناء مجتمع واعٍ لحقوقه ومدرك لواجباته.
فالفرد الحر هو غاية أي تنمية حقيقية، والحرية التي يتميز بها هذا الفرد تؤهله وبشكل مستمر للمساهمة في بناء مجتمع قوي البنيان، متماسك الأجزاء، عصي على الذوبان عندما يتدافع ويتفاعل مع غيره من المجتمعات ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً. كما أن هذه الحرية هي العنصر المُشَكِل للاستقلالية التي تعتبر "جوهر المجتمع المتمدن" (20).
كما لا يمكن لأي ذات غير حرة أن تعطي لنفسها أولاً، ولمحيطها ثانياً، وللإنسانية ثالثاً أي قيمة مضافة لا على المستوى المادي الملموس ولا على المستوى المعنوي.
والحرية المقصودة في هذا المقام هي: الاختيار المسؤول والمدرك لكافة الجوانب المترتبة عليه- أي ذاك الخيار- لا الاختيار المطلق غير العابئ بالعواقب، غير الواعي لمصالح المجتمع وأفراده، وغير المقدر للأفكار والأشياء التي تتفاعل مع ذلك الخيار.
فكما أن الحرية حق فردي واجتماعي وسياسي، فهي في المقابل واجب ملزم على تلك المستويات جميعها. إذ ليس من الحرية أن يطلق الفرد لرغباته وأهوائه العنان لتفعل وتسلك أي مسلك يحلو لها دون اعتبار مقدر ومحترم لرغبات ومصالح وسلوكيات الآخرين. وإلا تحولت المجتمعات الإنسانية إلى غابات تتصارع في ما بينهما لتشبع رغبات بعيدة عن المهمة الرئيسية للبشر وهي البناء الحضاري الشامل.
فعندما تضع التنمية منتهى غاياتها بناء الإنسان، فإن أهم ما يحتاجه ذلك الإنسان هو إعلاء قيمة الحرية في ذاته أولاً، وبشكل يستطيع أن يعيشه ويحياه سلوكاً وممارسة، لا فكراً وتنظيراً فحسب، وذلك من خلال تعزيز المسؤولية الاجتماعية والسياسية التي تتطلبها تلك القيمة العالية منذ البدايات الأولى لتربية ذلك الإنسان وفي مراحل تعليمه الأساسية؛ في محيطه الأسري المباشر، وبمعية أقرانه وبيئته الاجتماعية الأوسع، وذلك من خلال وسائل وطرق عديدة أهمها: تأهيل سلوك الحوار وطرح الأسئلة، وحق التعبير عمّا يشعر ويفكر ويحس به هذا الفرد، والعناية بسلوكه عند ارتداد أفكاره ومناقشتها من قبل الآخرين.
ثم يأتي دور المؤسسات لترعى هذا الفرد وتحتضنه ليكمل دوره في التنمية. المؤسسات التي أعني هنا هي المؤسسات المدنية والرسمية؛ ترعاه بتمكين قدراته ومواهبه المتميزة ووضع الخطط والمسارات لها، ومن ثَم اختباره في تنفيذ وإدارة تلك الخطط. كما ترعاه بتدريبه وتأهيله لتطوير قدراته وملكاته الذهنية والجسدية. بدون هذا النوع من الرعاية لن تتمكن التنمية من بلوغ أهدافها بل ستفوت الزمن الذي يعتبر أحد أهم التحديات التي تجابهها.

Pages