You are here

قراءة كتاب الولد المقاتل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الولد المقاتل

الولد المقاتل

كتاب " الولد المقاتل " ، تأليف مزين عسيران ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

الفصل الثاني:المُراهقة لَحْظَةٌ ـــ جوهريّة في النضج النفسي

تاريخ مفهوم المُراهقة وانفجاره

قبل التطرّق إلى موضوعنا، من المهمّ أن نُسطّر باختصار بعض الجوانب الهامّة في تاريخ المُراهقة.

نَسترجع على سبيل التذكّر، أنّ كلمة «مُراهقة» adolescens (18) في روما القديمة، تعني «في طور النموّ»، وتُقابل لدى الشّابّ الحقبة من حياته المُمتدة من عمر الـ 17 إلى 30 عاماً. أمّا الفتاة في العمر نفسه فتَكون قد تزوّجت. فإذا كانت فترة النضج قد شَغَلت على الدّوام مَكَاناً في التاريخ، فالأمر مُختلف فيما يتعلّق بالدّخول إلى سنّ الرّشد، الذي تبدّل كثيراً بسبب مقتضيات اللحظة. إذاً، لم يعرف مفهوم الطفولة ومن باب أولى مفهوم المُراهقة حتّى نهاية النّظام القديم. وإذا كان سنّ الزّواج في العقود السابقة على الثورة قد تأخر إلى ما بعد الـ 25 سنة ـ وذلك وقاية اجتماعية حقيقية مُعلّلة آنذاك بالحفاظ على توازن ديموغرافي كان يوشك على الاختلال ـ في القرن الثامن عشر، فقد قال جان جاك روسو، السبّاق إلى وضع مفهوم المُراهقة، في كتابه إميل ، وفي معرض حديثه عن الشّباب: «هذا العمر لا يَدوم كفاية للاستخدام الذي نريد أن نستخدمه به وأهميّته تسترعي انتباهاً بلا توقّف. ولذا فأنا أُصرّ على فنّ إطالته» (19). لكن في زمنٍ كان مُعدّل الحياة الوسطي فيه 33 سنة، لقد عسر على هذا العمر المتوسط إيجاد حيّز أكثر أهمية. لذلك وَجَب الانتظار إلى منتصف القرن التاسع عشر، الذي تَميّز عن العصور الأُخرى بمعدل عمر أطول بكثير اتّصل بالتّقدّم الطبّي والتّصنيع، حتّى رأينا ظهور مفهوم الـ «مُراهقة» في تنظيم الفئات العمرية وفي المعاجم. هذا المفهوم الذي بَقِيَ موضوع نقاش في الوسط الفكري على اعتبار أنّها إذا كانت قد شغلت مَكاناً واسعاً في بعض النّصوص الأدبيّة (لدى بالزاك، ستندال، إلخ) فإنّ كُتّاباً آخرين (ديكنز، فالّيس، ورونار، إلخ) أصرّوا على اعتبار أنّ نهاية مرحلة الطفولة هي اللّحظة التي تَنقلب فيها إلى مرحلة الرّشد بلا تمهيد. وليس من العبث أن نُسجِّل كيف أنّ المُراهقة تبدأ بإقلاق وإزعاج مجتمع ما ـ وقد طمح هذا المجتمع إلى الهدوء بعد الحوادث الثوريّة والحربيّة التي وَسَمَت النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

في بداية القرن العشرين، شَهدنا تَطوّراً سريعاً تَرافق مع إلزاميّة التّعليم والعديد من التدابير الخاصّة بالشّباب، بدءاً من الحركة الكشفية إلى الشبيبة الموسيقية الفرنسية، مروراً بالجمعيات الرّياضيّة. لقد أُنشئت في العام 1912 مَحَاكم للأولاد، كما وضعت الحُريّة تحت الرقابة : هذا«الخوف من الشّباب» (20) بالإضافة إلى الصورة التي يُعطيها عن المُراهقين، أصبح في أساس طلب اجتماعي مُلحّ مطروح لعناية «المُتخصّصين». يقول دوركايم إنّ «الشهوة الجنسيّة لدى المُراهق تدفعه نحو العُنف والخشونة بل والساديّة» (21). ويُضيف انطوان دوپراه في العام 1909 إنَّ «المُراهق هو مريض ذو سطوة» (22). بالتّوازي، أُجريت الدراسات الحقيقيّة الأولى حول المُراهقة في الولايات المتّحدة. ففي العام 1904، نَشَـر سـتانلي هول تحت عنوان «المُراهقة»، مُؤلَّفاً، هو في الوقت نفسه مؤلّف في علم النفس وموسوعة. فيقول: «إذا وَصَلَجنسنا البشري في يوم إلى مُستوى أعلى، فهذا سَيَكُونُ ثماراً لتطورات تدريجيّة في مرحلة المُراهقة والتي تُشكّل البُرعم الواعد للجنس البشري» (23).

إذا لم يعالج سيغموند فرويد في ميدان التحليل النفسي، إلّا مسألة البلوغ (24)، فقد تحدّث إرنست جونس (Ernest Jones) ، في العام 1922، ومن ثمّ برنفلد (Bernefeld) في فيينا، وختاماً وخاصّة، آنّا فرويد (Anna Freud) عن المُراهقة. في العام 1936، مع كتاب «الأناوالهو في مرحلة البلوغ والقلق الحاجي (25) خلال مرحلة البلوغ»، قامت آنّا فرويد بالمزاوجة بين مفهوم البلوغ كما تحدّث عنه والدها ومفهوم «المُراهقة» الذي شهد الرواج الذي عرفنا.

لقد شهدت مرحلة ما بعد الحرب تطَوّر الإطار الاجتماعي التربوي للشباب، وأصبحت المُراهقة نوعاً من المرض. تغيّرت النّظرة: لقد انتقلنا إلى وضع أدوات اعتلام (26) تَصِف الأمراض ومن شأنها أن تفتح مَنْفَذاً نحو العلاجات الاجتماعية-الطبية-النفسيّة. لذلك وجب انتظار دونالد وينيكوت (27) لنسمع ما يذكر بأن أزمة البلوغ هي القاعدة وأنّ غيابها هو المَرَضَيّ. من ناحية أخرى، فإنّ طفرة مُعدّل المواليد (baby -boom) سيؤدي إلى حركات اجتماعيّة عميقة. وفيما يقبع المراهقون في أماكن حياة خاصة بهم، يصبحون مجموعة متضامنة قابلة للاسغلال من قبل الراشدين. أمّا المراهقون فسيطالبون بالاعتراف بحقوقهم في العام 1968، موسعين بالتالي «الهوة بين الأجيال». ومنذ ذلك الوقت تنامت الفروقات بين الأعمار وبين الأجوبة الخاصّة التي جُلبت لكلّ عمر. إننا سنشهد ولادة ما قبل ـ مُراهقة، وما بعد مُراهقة في الوقت نفسه الذي تُصبح فيه المُراهقة لامتناهية، إلى حدّ أنّها تصادق على عجزنا عن إدارة العبور من الطفولة إلى سنّ الرّشد.

Pages