كتاب " الولد المقاتل " ، تأليف مزين عسيران ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب الولد المقاتل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الولد المقاتل
المعبود أو الأستاذ الحامي
سيجد البحث عن تماهي شخصية راشد دعائمه في الصور العامّة «الباسلة» التي تحملها الشبكات الاجتماعيّة: ذلك ما نراه في أيّامنا هذه، بخصوص صور منقولة عبر مختلف وسائل الإعلام (جرائد/ تلفزيون، إلخ). فعلى اختلافها، هذه النماذج المثاليّة لها الوظيفة نفسها بالنسبة إلى المُراهقين.
في بلد في حال السّلم، يُمكن أن يتجسّد المعبود من خلال المُغنين والرياضيين المعروفين من خلال وسائل الإعلام. كذلك يتعلق المُراهق بصورة الأستاذ، وصورة ذاك الذي لا يَخاف الموت، وذلك الذي جَابه كلّ محرمات المنطق القضيبي ليذهب في رغبته حتّى منتهاها، حتّى الموت كحدّ نهائي للانتصار. لا تملك صُورة الأستاذ حضوراً مهماً في العلاقات الاجتماعيّة، لكنّها مُهمّة دائماً بالنسبة إلى الشّباب، إنما على مستوى أكثر حميمية. هناك صورة أخرى للمعبود يُمكن أن تُسمّى «المُتمرّد»، ويمثّل الوجه الآخر للمثال المراهق. فالتماثل مع معبود مُتمرّد يفسّر التمرّد على كل القواعد القائمة. فبالنّسبة إلى المراهقين الذين يُعانون الإخفاق في القاعدة المتّصلة بالأب الخيالي ذي السطوة، المُتمرّد هو حامل لواء المعارضة ضدّ القواعد الاجتماعيّة التي تبدو له كيفيّة وحمقاء وعبثيّة على اعتبار أن لا شيء يضمنها، وهو «رافض القواعد الحاليّة باسم قاعدة أفضل ـ المُمكنة على الدوام ـ مُدافعاً حتّى في تمرّده نفسه على الوظيفة التي أنكرها، والخاصّة بالفالوس (عضو الذكورة) الرمزي الذي يُنظِّم علاقات التبادل بين النّاس» (35).
أياً يكن الأمر، في بلد تدور فيه حرب أهليّة، فإن الخيار الذي يقوم به المراهقون فيما يخصّ البحث عن صورة يتماهى معها، بخاصّة بالنسبة إلى المُقاتلين يكون خياراً مسدداً عليه بصورة أدقّ. ويتم التسديد أكثر على قائد ميليشيوي و/أو زعيم سياسي، لأنهما من المتمتعين بسلطة قضيبيّة.
لكن لماذا خيار تقمص أب مثالي؟ في الواقع، أمام أزمته الذاتيّة، لم يكن بوسع المُراهق تغيير بنيته الاستيهاميّة، بمعنى «اعتماد الأب الواقعي وإلغاء تقمصه الأب المثالي لأجل حملها على مثال الأب» (36). وبالتالي تحت تأثير العقدة الأوديبيّة، يجرِّد الأب من هذا المثال ويحيله من خلال هذه العمليّة إلى أيّ صورة أخرى عديمة السلطة سيسدّد حسابات كراهيته الأوديبية حيالها. في هذا السياق، المُراهِق مقُود إلى أن يَقطع مع المحيط العائلي ومن ثمّ يستدير إلى الخارج بغية «إيجاد أب مثالي بعد أن يكون الأوّل قد أخفق في القيام بواجبه» (37).
بالرغم من كلّ المُصادفات، «هذه النماذج المثاليّة تهدف إلى توحيد الحشود وإلى تأسيس علاقات اجتماعيّة» (38). فهي سيكون لها بالنسبة إلى المُراهقين (كيفما كانوا)، الوظيفة المزدوجة التي تسمح ببقاء الخصاء مُعلّقاً وأن يكوّنوا مجموعة اجتماعية.
لنرى الآن بما ترتبط هذه المرحلة من المُراهقة على مستوى النضج الجسمي الذي يحمل خاتم البلوغ، وما هو أثره على التنظيم النفسي للذات المُراهِقة.