قراءة كتاب الإعلام ليس تواصلا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإعلام ليس تواصلا

الإعلام ليس تواصلا

كتاب " الإعلام ليس تواصلا " ، تأليف دومينيك وولتون ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

في هذا الكتاب، لديّ النية في أن أقلب الروسم السائد وتبيان كيف أن التحدي الحقيقي متعلق بالتواصل أكثر مما هو متعلق بالإعلام الذي يعتبر توافره غير كافٍ لإيجاد التواصل، إذ إن وجود المعلومات الكلي يزيد من صعوبة التواصل، بل إضافة إلى ذلك تقود ثورة الإعلام إلى حالة من التقلب في التواصل، وتكون النتيجة عندئذٍ غير متوقعة. كذلك لم تعد المشكلة متعلقة بالإعلام وحسب، وإنما هي أكثر من ذلك مشكلة شروط يتوجب استيفاؤها من أجل تمكن ملايين الأفراد من التواصل، أو بالأحرى من التوصل إلى التعايش في عالم أصبح فيه كل فرد يرى كل شيء ويعلم بكل شيء، وحيث الاختلافات اللسانية والفلسفية والسياسية والثقافية والدينية جعلت من التواصل والتسامح أمرين أكثر عسراً. وبكلمة، فإن الإعلام معني بالرسالة، أما التواصل فمعني بالعلاقة، وهذه مسألة أكثر تعقيداً.

إن الهدف لم يعد التقاسم مع الآخرين ما هو مشترك فيما بيننا بقدر ما هو تعلم كيفية تدبر الاختلافات التي تفصلنا. وذلك إنما على المستوى الفردي والجمعي على حد سواء. أخيراً، في التواصل، تبقى أبسط الأمور في جانب الرسائل والتقنيات بينما أعقدها فهي في جانب البشر والمجتمعات.

يعتبر القرن التاسع عشر عصر ثورة الإعلام، مع ما تحقق فيه من انتزاع للحريات، بينما يُعتبر القرن العشرون عصر انتصار الإعلام والتقنيات، مع ظهور الاتصالات المنفتحة على الجميع. أما القرن الواحد والعشرون فهو قرن التعايش، بمعنى تأمين الشروط المطلوبة لعيش مشترك بين وجهات نظر مختلفة، في عالم صغير للغاية يعلم فيه الأفراد كل شيء، ولا يقوى المرء على الإفلات منه.

لقد بات المرء بعيداً عن الخطاب القديم الذي يأخذ جانب الإعلام ويجافي التواصل، ولم يعد بالإمكان وضع تراتبية تحكم بينهما، لذلك يجب أن يتناولهما التفكير معاً مضافاً إليهما تعقيد خاص بالتواصل الذي يواجه المسألة الثلاثية المرتبطة بالعلاقة وبالآخر وبالمتلقي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن انتصار الإعلام بالذات في القرنين الماضيين هو الذي يوجب تحديد مرتبة التواصل من جديد، وإن هذا الانتصار لم يكن سوى نصف الطريق.

إن هدف هذا الكتاب، فهو التفكير على التواصل من جديد في زمن انتصار الإعلام وما يرافقه من تقنيات.

من ناحية أخرى لقد كان من شأن أزمة الرأسمالية منذ آب سنة 2008 أن تسرع التفكير النقدي على البعد السياسي للعلاقة بين الإعلام والتقنية والتواصل. فلأول مرة في التاريخ، تابعت الشعوب، بشكل مباشر، الأزمة وتبعاتها. لكن مما لا شك فيه أن ذلك الإعلام الوافر سوف يثير، بعد فترة من الذهول، نقداً جوهرياً موجهاً ضد الاقتصاديين والصحافيين ورجال السياسة والجامعيين والتكنوقراط الذين لم يحسنوا، أو لم يشاؤوا رؤية حدوث الكارثة، وسوف يُطلب إليهم تقديم حسابات وانتقادات ذاتية.

وتمثل هذه الأزمة أيضاً أزمة إعلام مالي بقي دائماً خارج المراقبة، ولا يمكن فصلها عن الإنترنت، مما يطرح، مرة إضافية، المسألة السياسية المتعلقة بتنظيم هذه الوسيلة ووضع ضوابط لها، هذا إن كان المراد فعلاً جعلها وسيلة في خدمة الحرية.

وفيما يتعدى التكهنات، فإن سرعة انتقال المعلومات، وغياب الضوابط، ونسيان المصلحة العامة، كلها تشكل مواضيع يدور حولها الخلاف. وهذه السرعة تشكل أول حدث سياسي عالمي يوجب التفكير من جديد على التحديات السياسية للإعلام والاتصالات. كونه يشبه قليلاً الأزمات الإقتصادية التي سرّعت على امتداد الأربعين سنة الماضية عملية إدراك سياسي، باتت مكتسبة اليوم، وتتعلق بالرهانات السياسية للبيئة.

إنَّ التحدي يظهر على النحو التالي: في عالم مشبع بالإعلام والاتصالات والتقنيات كيف هو السبيل إلى تأبيد القيم التحررية التي ارتبطت بكليهما منذ القرن السادس عشر؟ كيف السبيل إلى منع الإعلام والتواصل من أن يصبحا أداتي تسريع لسوء التفاهم والكراهية بعد أن كانا بالأمس عاملي تقارب؛ وذلك تماماً لأن كل الاختلافات والغيريات باتت مرئية. هذا هو كل معنى أبحاثي منذ ثلاثين عاماً: إعادة تأسيس القيم التحررية للإعلام والاتصالات في سياق أصبحت فيه كلّية الوجود ومتعددة اللغات على نحو مرعب.

Pages