كتاب " باع سمك بالبحر " ، تأليف فيصل فرحات ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب باع سمك بالبحر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
باع سمك بالبحر
باع سمك بالبحر
تمدد على فرشته بشيء من الوجع في ظهره مع اختلاف مفاجئ طرأ على عينيه، إذ بدا ناظراً إلى نقطة غير مرئية للحظات، ثم لوى رأسه على «المخدة» (الوسادة) محاولاً أن ينام. وبعد لحظات عاد وفتَّح عينيه ليرى طرفي الوسادة واللحاف وجزء من يده اليسرى ممسك بالطرفين، ثم عادت عيناه لتريا بعضاً من تفاصيل الخطة، وسرعان ما شطح خياله بتركيب وإدماج علاقات وأشخاص وأصدقاء بهدف السفر إلى نيويورك في آخر السنة، حيث قد تُعرض مسرحيته «عانس خلّفت صبي»(*) ضمن مهرجان مسرحي جامعي. ولربما يحظى بزوجة مثل صديقته Alice. وهنا عاد وتذكّر كيف أتت Alice إلى بيروت (حيث كان واقعاً في الغرام) منذ خمس سنوات لتغطي كصحافية انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، ثم عادت إلى نيويورك خائبة لم تحقق فيلماً تلفزيونياً ولم تتزوج. واكتفى هو بلمحة حُلم كما لو أنه في هذه اللحظة يحضن زينة ويمسك يدها. همهم بندم وأطلق بعضاً من زفيره على راحة يده محاولاً شم رائحة نفسه، فتعذر عليه الأمر لضعف حاسة الشمّ لديه بسبب لحميّة زائدة في أنفه، فأطلق زفرةً ثانيةً «دوبل» عن الأولى ما تسنى له أن يشم بعضاً من رائحة ليست بكريهة، ثم شمّ رائحة النوم في فراشه. وحين هزهز رأسه على الوسادة شعر برطوبة وجه الوسادة تحت ذقنه وخده من تعرُّق مزمن، ثم لمس بإصبعيه قذارة القماش، فانتفض فجأة شبه جالس محاولاً النهوض على ركبتيه عن فرشته الأرضية، فتمسّك بيد كرسيه وشدّ عضلات رجليه فشبَّ واقفاً دائراً وهو يمدّ يده إلى كيس ورق كبير إلى جانب المكتبة فيه شراشف ووجوه وسائد، فأخذ منه وجه وسادة نظيفاً وشمّه واستدار نحو الفرشة مرتمياً عليها، راكعاً على ركبتيه فشعر بوجع قليل في ركبته اليسرى، ومدّ يده إلى طرف الوسادة وخلع الوجه الوسخ ورماه تحت الكرسي، ثم وضع طرف الوسادة الثاني داخل وجهها متأكداً من وصول الزاوية إلى مكانها، وشدَّ الطرف الأول فانتفخت الوسادة بسبب صغر الوجه، فضربها كفين ونام. مع إغماضة عين، شمّ رائحة وجه الوسادة النظيف فلمسه بهدوء تام ثم عاد وتنشّق بعضاً من رائحة مسحوق الغسيل وهو يهمهم بارتياح، حينها طاب له «التخطيط». وبعد لحظة ابتسم ابتسامة طويلة لما شعر به من فرح وسرور بمجيء وقت التفكير والتخطيط، ذاك الوقت العزيز عليه وبخاصة حين يكون بمفرده في غرفته، إذ بات شغوفاً به، لدرجة أن وصل معه الأمر إلى عشق تلك «الشغلة» (المهنة) ألا وهي التخطيط. وفجأة رأى اختماراً ما لفكرة زيارة نيويورك بهدف الزواج. فبدت له الفكرة عجيبة غريبة، ولو أنها تحمل في طياتها شعوراً طبيعياً من جهته، لاسيما وأن فكرة أن يحظى بامرأة مثله أو مثل Alice يكملان معاً شيخوخة تروق له. وبعد لحظات ابتسم ابتسامة قصيرة بشيء من الرهبة، وبدأ مشواره في التخطيط؟ فأخذ نفساً شبه طويل مع شيء من رائحة مسحوق الغسيل. وبعد لحظات، أول أمر فكّر فيه وأتى على باله هو علاقته مع زينة. وبخاصة بعد أن أجّلت للمرة الثانية الزواج به في فترة وجيزة. حيث بدأ يعيش بشيء من انشغال البال والاضطراب فيما يتعلق بموضوع الزواج. ثم فكّر بأن العيش مع جوليا هو أولاً من حق الصبي ابنه. وثانياً لا بأس به له ولها من عيش. لكنه بقرارة نفسه هو يحب بأن يكون في مكان آخر. وبالطبع يفضل أن يتزوج زينة ويعيشان معاً. وبعد لحظة أضاف بصوت خافت: «ياريت». وفجأة خطر في خياله وجه Alice متذكراً كيف عرضت عليه الزواج به كي تخرجه من لبنان والعودة به للعيش معاً في نيويورك لفترة قد تقصر وقد تطول. وبخاصة إذا ما زال بإمكانها الإنجاب ولو طفل أو طفلة. وهنا نطق بصوت مسموع: «وياريت التنين». بنت وصبي. ثم سرعان ما تذكر كيف قالت له في ختام عرضها بأن عليه هو أن يدفع أجرة المحامي. فابتسم وضحك قليلاً. ثم ما لبث أن غرق في المحظور وفي القلق من فكرة الابتعاد عن زينة الحائرة في حسم أمر الزواج به، ما يبقيه في حالة من الحذر والخوف. فأغمض عينيه للحظات وشعر بشيء من التنميل الموجع قليلاً، لكنه تحايل على الإغماض محاولاً أن لا يشدّ عضلات عينيه، وبعد لحظات خف وراق التنميل فغفا لبرهة. ثم عاد وتذكّر مشاهد مختلفة مع Alice في نيويورك. وبخاصة مشهد قطف الزهور البريّة وجمعها في حديقة منزل والديها في up state new York وهي تضحك. وبعد لحظات هادئة وصامتة من أي حركة منه، عاد إلى خياله مشهد في واشنطن، وهي تقرأ نص الترحيب والتقديم من صفحة واحدة حملتها بين يديها وكأنها تحمل طفلة، وقرأت بشيء من الثقة بلغة عربية فصحى منمّقة بتفكير إنكليزي. وحين انتهت ابتسمت وضحكت ثم اعتذرت عن خطأين قد ارتكبتهما، فصفق لها الجمهور بحماسة وهي تنحني قليلاً وتضحكُ مع ضحكات النساء الكثيرات ومنهن صديقاتها اللواتي اقتربن منها مع باقة من الزهور، فدمعت عيناها. وهنا شعر هو أيضاً بتجمّع قطرتين من دمعه انهمرتا على خديه ببطء ملحوظ أرعشه. وبعد هنيهة مسح ما تبقى على خدّيه من دمع وقال في نفسه بأن عليه أن يضع خطة خاصة لإنتاج مسرحيته إلى جانب خطة جوليا كما وعدته. إذ تراءى له بأن عليه هو أن يحاول إيجاد منتج للمسرحية، إلى جانب المنتجة الفرنسية صديقة جوليا. وهكذا يكون قد قام بدور ما من جهته، دون أن يترك جوليا «تعمل متل ما بدا». وأمام زينة يكون قد ظهر بأنه ليس دُمية بيد جوليا. وعلى كل حال فالمحاولة جديرة بأن تُخاض، وليش لأ؟ فابتسم قليلاً وقلب جسده على الطرف الأيسر وهو يغمض عينيه لكنه لم ينم.