You are here

قراءة كتاب باع سمك بالبحر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
باع سمك بالبحر

باع سمك بالبحر

كتاب " باع سمك بالبحر " ، تأليف فيصل فرحات ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

لفّ سيجارة وأشعلها ومج مجةً لا بأس بها، وشرب بلعة من الشاي الصيني الأخضر المعطّر بالياسمين ولحس شفتيه، ثم تناول من صحن صغير قطعة حلوى بالجوز مع طحين الشوفان ووضعها في فمه. وهنا تذكّر عربة الصفوف والنمورة والمعمول المدّ الفاخرة للمعلم أبو ماجد وابنه، الذي مازال محافظاً على طيبة حلوياته مثلما كان قبل وأثناء الحرب في بيروت القديمة وكما في الجديدة اليوم، مع اختلاف شاسع في البيع ونسبة الزبائن وأمزجتهم وما طرأ عليها من «تغليف» في هذه الأيام، مثلما قال له في إحدى المرات، حين اشترى أوقيّة معمول مدّ ساخنة وسرعان ما أكلها بدقائق وهو يقف أمام العربة متشكراً. وهنا تذكّر أيضاً جوليا وهي تُعد مواد قوالب و«مقالب الكاتو» الطيبة في مطبخ بيتها وهي تضحك فضحك. وبعد أن هضم وبلع ما في فمه، مضّ ريقه مما تبقى من فتات، وشرب بلعة شاي كبيرة، ولولا السخونة، لكان شرب أكثر. ثم تناول قطعة ثانية ورفعها إلى فمه وقضم «ربعها» ومضخها ثلاث مرات من الجهتين محاولاً عضّ وتفتيت بضع شقف كبيرة من الجوز ما بين أسنانه، فطاب له المذاق وهو يهز برأسه مغتبطاً، وبخاصة لوجوده وحيداً بدون زينة ولا جوليا، وهو يفكر ويخطط. وفجأة توقف عن الهضم والحركة، وهو ينظر شبه محدّق في نقطة غير مرئيّة وقال: «الشيخ طارق» وبعد لحظة عاد وقال بصوت أعلى: «الشيخ طارق». ارتفع عن كرسيه وهو يصفق بضع صفقات ثم جلس منهياً التصفيق، قائلاً: «ما في غيره» (لا أحد غيره). مضيفاً: «بيظبط الفيلم معه» فنهض عن الكرسي بخفة ملحوظة ومشى خطوتين داخل غرفته الصغيرة ثم عاد إلى الكرسي ليجلس، لكنه عاد ورفع يده عن يد الكرسي، ثم استدار نحو المطبخ ومشى خطوة وتوقف ليعود إلى الكرسي ويجلس بشيء من النشوة بعد أن تملّكته مشاعر الخلق، إذ رأى في خياله بأنه قد وجد المنتج الآدمي والمثقف والمُشجع للفن الراقي كما كان دائماً يقول له. فارتسمت على وجهه ملامح السعادة من جراء تلك الفكرة وتأثيرها الفوري في انتقال مزاجه من حال النق السلبي إلى التنفيذ ولو في الخيال. وهنا تناول قطعة حلوى ثالثة وقضم رأسها ومضخها حالاً وبلع نصفها وهو يهز برأسه مردداً بعد تمتمة: «ما في غير الشيخ طارق، معه بيظبط وضعي كرمال الصبي». وتناول محرمة كلينكس من جانب «اللمبة» ومسح شفتيه بعد أن بلع ما في فمه ومضّ الباقي، ثم تناول كباية الشاي ووضعها على فمه وشرب كل ما كان فيها وكأنه «يقفّي» كأس عرق. وبعد أن بلع الشاي فتح فمه ناطقاً بصوت مسموع بكلمة: آح... بشيء من الانشراح ونهض عن الكرسي بهمة وسأل نفسه: «كيف بيسوى أحكي مع الشيخ طارق»؟ وبعد لحظة أضاف: «بحكي معه مباشرةً أو بمهدله (أمهّد له) الطريق»؟ وقبل أن يسمع الجواب مشى خطوتين نحو المطبخ ثم عاد إلى الغرفة وجلس على الكرسي ودار بها دورتين، ثم تركها تقف من تلقاء ذاتها في الدورة الثالثة وكانت الكرسي مائلة نحو الفرشة، فأدارها بيده اليسرى وباليمنى تناول مسكة الأوراق ووضعها أمامه ثم رفع القلم وأخذ غطاءه ورماه بجانب الأوراق وبدأ يكتب. وكان أول بند قد كتبه هو طلب ألفي دولار أميركي كدفعة أولى على أن يقبض ثلاثة آلاف دولار في الدفعة الثانية حين تسمح الظروف، مع نسبة مئوية من شباك التذاكر، قد تكون خمسة بالمئة أو أكثر. وذلك ثمن نص المسرحية وهو خمسة آلاف دولار. وبعد أن كتب الرقم 2 توقف عن الكتابة ورمى القلم على الورقة ونهض قائلاً: «أبل (قبل) رئم (رقم) 2، على أيّ مستوى بدك تلعبها؟ على مستوى جوليا؟ أو على مستوى طلاب مسرح؟». ثم قال لنفسه: «المستوى اللي بيظبط». وبعد لحظة أضاف: «لكن أكيد مستوى جوليا أروع وأجمل». وبعد لحظة تابع محدثاً نفسه: «مع جوليا بيوصل المعنى الجمالي للمسرحيّه». ثم تابع بكلمة: «وهيدا الأهم». وعاد نحو كرسيه وجلس عليه بشيء من الارتماء. وبعد لحظات لم يقم بأي حركة وهو صافن بأمر ما وكأنه يقوم بعملية حسابيّة في رأسه، يجمع ويضرب ويقسم أعداداً من الأرقام وألوف الأوراق من المال تمر بين يديه في خياله. وهنا ضحك متذكّراً كلمة جوليا حين قالت: «وعدّي مصاري (مال) يا جوليا إذا عندك وئت (وقت)». وهكذا ضحك، ثم أطفأ «اللمبة» (الضوء) وارتمى على طرف فرشته متناولاً طرف اللحاف ورفعه عالياً وغطى جسده وهو ينزل في الفرشة واعداً نفسه بالنوم لمدة ساعة.

Pages