النزعة الفردية نزعة عريقة في وجودها أمن بها الرومان وبعض من سبقهم في المجتمع القديم، وقد ظهرت هذه النزعة الفردية نتيجة لطغيان الحكام والسلطة المطلقة للطبقة الحاكمة وكرد فعل لها، وتهدف تحرير الفرد من هذا الظلم وحماية حقوقهم وكفالة تمتعهم بها، انتعشت فكرة الح
You are here
قراءة كتاب حقوق الإنسان ومعاييرها الدولية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
2-3-5 حقوق الإنسان في الإسلام
إن الإسلام قد اقر الحق ومن خلاله حقوق الإنسان وقيده بقيود عديدة لمنع الفرد من سوء استعماله والتعسف فيه بهدف تحقيق المصالح العليا للمجتمع وسد الطريق أمام المتعسف ومنعه من إلحاق الضرر بالآخرين، لان تحقيق مصالح الإنسان فردا وجماعة من أهم وابرز مقاصد الشريعة الإسلامية، لذا فأن من الطبيعي إقرار الشريعة الإسلامية لفكرة الحق، غير إنها تقيد الحق بقيود عديدة بغية الحفاظ على التوازن بين مصلحة الفرد وبين مصلحة الجماعة([41])ومن هنا ظهر الحق في الشريعة الإسلامية بمظهر خاص وهو وقوعه موقع الوسط بين المذهبين الفردي والجماعي، وبعبارة أخرى ان فكرة الحق في الشريعة الإسلامية ذات نزعة وسطية بين النزعة الفردية والنزعة الاجتماعية. ومن أهم الحقوق التي أقرتها الشريعة الإسلامية الحق في المساواة أمام القانون في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية (كقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): الناس سواسية كأسنان المشط) وقوله (صلى الله عليه وسلم): كلكم من ادم وادم من تراب)، والحق في حرية التعبير والعقيدة (كقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): دعوه فأن لصاحب الحق مقالا)([42]) ، وحق التعليم والتعلم(كقول الرسول: اطلب العلم ولو بالصين) وقوله (صلى الله عليه وسلم): اطلب العلم من المهد إلى اللحد)، والحق في إشغال الوظائف العامة والإسهام في شؤون إدارة الحكم وقوله (صلى الله عليه وسلم): (من ولى رجلا من أمور المسلمين شيئا، وهو يعلم ان فيهم من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين)، وحق الشفعة( كقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): الجار أحق بسبقه)([43]).
وبما إن الله سبحانه وتعالى هو مالك كل شيء كقوله تعالى في سورة ياسين الآية/83: )فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ( فإن منشئ الحق ومانحه هو الله سبحانه وتعالى ولكنه ائتمن الإنسان عليه وجعله خليفة في الأرض كقوله تعالى في سورة النمل الآية/63: )وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ( وكقوله تعالى في سورة الحديد الآية/7: )وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ( . وهكذا فأن الحق في الاسلام منحة مشروطة لتحقيق المصلحة التي من اجلها شرع ومبعثها اعتراف الشرع بها وليس صفة طبيعية كما بقرها المذهب الفردي([44])، وبالتالي فليس هناك حق ذاتي مطلق، ولا حق مع تجاوز الفضيلة، لان الفضيلة قيد يقيد الحقوق، ويوقف المشروعية عندما يغلب عليها الطابع الفردي والأناني([45]).
وفيما يتعلق بمقارنة فكرة الحق في الفقه الإسلامي بالمذهبين الفردي والاشتراكي نرى ان الفقه الإسلامي اعتبر الحق صلاحية ممنوحة لشخص ما لتحقيق مصلحة معترف بها له بعكس المذهب الفردي الذي يرى بأن للإنسان طائفة من الحقوق بمجرد ولادته ويكتسبها من الطبيعة بوصفه إنساناً([46]).
لا خلاف بين الفقه الإسلامي والمذهب الفردي في قدسية الحق وحق صاحبه في ممارسته للانتفاع به بمختلف الطرق المشروعة لتحقيق مصالحه الشخصية والاجتماعية. ولكن مدى السلطة التي يملكها صاحب الحق في الفقه الإسلامي ليس مطلقا كما هو في المذهب الفردي، بل انها تخضع لقيود عديدة كقيد الفضيلة لتحقيق المصلحة العامة ولمنع التعسف في استعمالها وإلحاق الضرر بأطراف أخرى.
وفي ضوء هذه المقارنة البسيطة يمكننا ان نقول بأن نزعة الفقه الإسلامي نزعة وسطية بين النزعة الفردية والنزعة الاشتراكية.
ومن الجدير بالذكر، ان إقرار الإسلام لحقوق الإنسان، هو تكريم لبني ادم، لان هذه الحقوق ما هي إلا بعض سمات الكرامة الإلهية لبني ادم. وقد جاء التكريم الإلهي للإنسان بشكل مطلق ليشمل الكرامات كلها ومنها الحقوق والحريات الأساسية ما كانت مدنية او سياسية او اجتماعية او اقتصادية أو ثقافية([47]).هذا ما نستنتجه من قوله تعالى في سورة الإسراء الاية/70: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) يعني، كرمناهم بالعلم والنطق واعتدال والخلق وغير ذلك ومنه طهارتهم بعد الموت وفضلناهم على البهائم والوحوش. وبهذا المعنى ولنفس الغرض، ان الله سبحانه وتعالى قد أكد في آيات كثيرة على مساواة الإنسان أمام القانون في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية، وجعلها حقا أساسيا، ولذلك مرة أخرى أكد سبحانه وتعالى وحدة الجنس البشري في سورة النساء الآية/1:(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) وكقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): (كلكم من ادم وادم من تراب).
ان هذه الآيات الكريمات لم تتوجه بالنداء إلى إنسان موصوف بدينه او بلونه او بقومه او بجنسه، بل توجهت الى جميع الناس بغض النظر عن هذه الأوصاف كما وتصف الناس بأنهم مخلوقون من نفس واحدة إشعارا بالوحدة البشرية التي تعني الرحم الواحد الذي يجمع بني ادم، وهذا يعني ان جميع الإنسان أصلهم واحد ولهذا كلهم متساوون في الحقوق والواجبات ويجب ان تتمتع كل شخص منهم بحقوقه وحرياته الأساسية والتي تسمى بحقوق الإنسان بدون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو اللون …. الخ ([48]).
وهكذا، فإن الله سبحانه وتعالى من خلال تكريمه لبني ادم، قد سخر له ما في الأرض جميعا، وأعطاه الحرية في تمتعه بها، ليستفيد منها في حياته اليومية كحق من حقوقه الاقتصادية والاجتماعية، كقوله تعالى في سورة البقرة الآية/29: )هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ( وقوله تعالى في سورة البقرة الآية/267 : )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ( وقوله تعالى في سورة الأعراف الآية/160 : (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) وقوله تعالى في سورة طه الآية/81 : (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى).
كما وان تعدد الشعوب والأمم والقبائل لا يعني أفضلية شعب أو امة أو قبيلة على الآخرين، بل ان ذلك دليل على التضامن الاجتماعي والوحدة الإنسانية، ليكون الاختلاف في الوسط الاجتماعي دليل التعارف، كقوله تعالى في سورة الحجرات الآية/13: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
إن بعض الحقوق أهم من البعض الأخر، كحق الإنسان في الحياة، هو من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، هذا ما يتبين لنا من آيات كثيرة من القران الكريم، كقوله تعالى في سورة المائدة الآية/32: )مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا(، ولهذا، وضع عقابا شديدا لمن يقتل شخصا بغير حق، عليه فقد حذر من اقتراف جريمة إزهاق الروح بدون حق شرعي، كقوله تعالى في سورة النساء الآية/93: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
كما اهتم الإسلام بحق المشاركة في الحكم، ولهذا الغرض، قد اقر مبدءا مهما إلا وهو (مبدأ الشورى) وكما جاء في قوله تعالى في سورة آل عمران الآية/159 : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ). والشورى وسيلة للوصول إلى الرأي الأصوب لأنه رأي الجماعة. والجماعة هنا لا يقصد بها الأغلبية المطلقة، كما هو الحال في النظام الديمقراطي الذي يعتمد على الأغلبية العددية وحدها، ولكن المقصود بالجماعة هنا الجماعة المؤهلة للاستشارة. ومن أهم ما ينبغي ان يتوافر في هؤلاء ان يكونوا ممن يتقون الله في القول والعمل ولا يخشون أحدا إلا إياه، ويعملون على تحقيق منهاجه في الأرض، وان يكونوا ممن لديهم العلم والخبرة الكافية، فيما يستشارون فيه، قال الله سبحانه وتعالى عن المسلمين في سورة الشورى الآية/38:(وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ).
وفي التأريخ الإسلامي صور من استعمال الرسول (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين للشورى في اتخاذ القرارات، كما في حفر الخندق في غزوة الخندق، وفي معاملة أسرى البدر.