النزعة الفردية نزعة عريقة في وجودها أمن بها الرومان وبعض من سبقهم في المجتمع القديم، وقد ظهرت هذه النزعة الفردية نتيجة لطغيان الحكام والسلطة المطلقة للطبقة الحاكمة وكرد فعل لها، وتهدف تحرير الفرد من هذا الظلم وحماية حقوقهم وكفالة تمتعهم بها، انتعشت فكرة الح
You are here
قراءة كتاب حقوق الإنسان ومعاييرها الدولية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
2-3-8 فكرة العقد الاجتماعي في فكر توماس هوبز (Thomash Hobbes (1588 – 1679 م
توماس هوبز هو من فلاسفة القانون الطبيعي، يعتقد ان أول أمر يصدر عن القانون الطبيعي هو (البحث عن السلام والسعي إليه). وبمقتضى هذا القانون يجب على الناس ان يسعوا الى السلام ولتحقيق هذا الهدف عليهم جميعا إبرام عقد فيمابينهم و ان يتنازلوا بموجبه عن الحق في عمل كل شيء. وبهذا التنازل المتبادل تنشأ الدولة([63]).
والإرادة ليست حرة في ان تضع في هذا العقد ما تشاء، وبصفة خاصة فإن الإرادة ليست حرة في الأضرار بصاحبها. ومن ثم فانه لا يجوز بمقتضى هذا العقد التنازل عن الحقوق الأساسية للإنسان. وفي هذا يقول هوبز: (ان موضوع التصرفات الإرادية لكل شخص هو شيء حسن لهذا الشخص، ولهذا السبب فأن هناك بعض الحقوق لا يتصور ان رجلا يتنازل عنها او يتصرف فيها بأي كلمات أو إشارات)([64]). والحقوق التي يتحدث عنها هوبز في هذه العبارة هي الحقوق التي أطلق عليها فيما بعد حقوق الإنسان، وهي الحقوق الطبيعية التي تستمد وجودها من القانون الطبيعي ذاته ولا يجوز المساس بها بواسطة أي تصرف إرادي سواء كان هذا التصرف قانونا او عقدا([65]).
وهكذا فأن العقد الاجتماعي عند هوبز يستمد أسباب وجوده وشروطه من القانون الطبيعي وليس من الإرادة. فالعقد الاجتماعي عقد غير إرادي. ومع ذلك فان هوبز قد انحرف بنظرية القانون الطبيعي انحرافا يبرر طغيان القانون الوضعي واستبداد الدولة.
وبما أن فكرة العقد الاجتماعي سلاح ذو حدين، إذ قد تفسر لتأكيد سيادة الشعب باعتباره مصدرا لجميع السلطات، وقد تستخدم لتأكيد سلطة الحاكم المطلقة باعتباره مصدرا لجميع هذه السلطات. وهكذا استخدم هوبز هذه الفكرة لمساندة الدولة الاستبدادية وسماها بالتنين، لأنها تبتلع من جوفها كل الأفراد الذين تذوب شخصياتهم وإرادتهم أمام شخصيتها وإرادتها.
ينطلق هوبز من تحليل لطبيعة الإنسان في ضوء رؤية فلسفية معينة، فيقول: (الإنسان يتميز من الحيوان بالعقل ورغبة المعرفة والقلق من المستقبل والخوف من المجهول. والإنسان بهذا التكوين لا يعيش وحده بل مع أمثاله الذين يحملون ذات الصفات. بناء عليه، لكل إنسان مثيله ومنافسه وبالتالي تدفعه أيضا إرادة القوة تحت كل أشكالها. فكل فرد، إذن، مساو للفرد الآخر. والمساواة بين الأفراد تعني ان كل واحد يريد ان يحقق أهدافه وان يحطم او يخضع الآخر. فالمنافسة وعدم الثقة المتبادلة والرغبة الجامحة في المجد والشهرة، تكون نتيجتها الحرب الدائمة لكل واحد ضد كل واحد، والإنسان، عندها، سيكون ذئبا بالنسبة للإنسان. ومثل هذه الحروب ستكون عائقا لكل بناء ولكل حراثة ولكل راحة ولكل علم وأدب ولكل ملكية، وباختصار لكل مجتمع. واضع من ذلك إنها تؤدي إلى الخوف الدائم من الموت العنيف. وهذا هو الوضع البائس للإنسان في حالة الطبيعة)([66]).
وهكذا، وهو يرى بأن الإنسان في حالة الطبيعة يتمتع بحرية كاملة لكنها عقيمة، لأنه إذا كانت له الحرية في ان يفعل ما يشاء، ففي مقابل ذلك هناك الآخرون الذين لهم نفس الحرية، الأمر الذي يعرضه لان يتحمل كل ما يعجبهم. أي يملك كل واحد الحق على كل شيء ولكنه لا يستطيع ان يتمتع بأي شيء. لكن حينما يقام المجتمع المدني، فأن كل مواطن لا يحتفظ بحرية إلا بقدر ما تمكنه من العيش الكريم وبسلام، ويفقد الآخرون كذلك حريتهم بالقدر الذي يصبحون معه غير مؤذين([67]).
ولهذه الأسباب، فقد قاد الإنسان عقله الى وجوب الخروج من حالة الطبيعة إلى حالة أخرى، حالة المجتمع المدني، فأتفق الجميع على ان يتنازل كل إنسان عن جزء من حريته المطلقة لمصلحة المجتمع وهذا التعاقد بين الأفراد هو أساس الاجتماع والفائدة التي تقوم عليها الدولة([68]).
ولكن هذا التعاقد لا يمكن تنفيذه وتحقيق غايته إلا إذا خضع الجميع لفرد واحد منهم يتمثل في شخصية الدولة كلها وتكون إرادته هي القانون النافذ وتخضع جميع الأفراد لإرادته خضوعا تاما([69]).أي لا تكون للأفراد حرية الرأي والضمير وتسحق أي عقيدة دينية تتعارض مع ما تراه الحاكم حقا وخيرا.
وهكذا فالأفراد يتعاقدون فيما بينهم، فيتنازلون، لمصلحة الغير، وهو الحاكم، عن كل حق وعن كل حرية تضر بالسلم. فقد ارتبطوا فيما بينهم في حين إن الحاكم الذي أوجدوه لم يرتبط أو يتقيد. إذا الالتزامات المتبادلة هي، بين المحكومين وحدهم وان الحاكم لن يكون طرفا فيها. بناء عليه فالأفراد اشترطوا فيما بينهم بالتخلي عن الحق الطبيعي الذي يعود لهم بأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم لمصلحة شخص ثالث وهو الحاكم([70]). وستكون سلطة الحاكم مطلقة لا يجوز للأفراد أن يستردوا ما أعطوه للحاكم من السلطة، لأنه لم يكن طرفا في العقد ولم يلتزم بشيء تجاههم، ولهذا فقد ظلت الحرية للحاكم وحده وأصبح سلطانه عليهم مطلقا لا حدود له([71]).