كتاب " صفحات مطوية من التاريخ " ، تأليف عيسى إبراهيم اللوباني ، والذي صدر عند دار المأمون للنشر والتوزيع عام 2014 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب صفحات مطوية من التاريخ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

صفحات مطوية من التاريخ
وكانت برلين في تلك الأيام أواخر نيسان 1945 قد أصبحت حطاماً لا تكاد العين تقع بها على بناء قائم.
وقمنا بمغادرة برلين إلى كارلسباد تحت وطأة الغارات التي لا تنقطع، ثم ذهبنا إلى (مارينباد).
وفي الطريق من برلين إلى بادكشتاين مررنا- يقول المفتي- بمدينة (نورمبرغ) وكانت خراباً يباباً، بعد أن كانت مدينة العمران والازدهار والحركة الدائبة والمنشآت الرائعة. والمعروف أنه وقع عليها اختيار الحلفاء لتكون مركزاً لمحاكمة زعماء النازية.
ولما تفاقم خطر اجتياح الحلفاء مناطق كثيرة في ألمانيا وأصبحت تحيط بها من كل جانب، بحث كبار المسؤولين الألمان مع المفتي ورفاقه طريق الخروج من ألمانيا. اقترح البعض غواصة تقلهم إلى أحد الشواطئ العربية. ثم استقر الرأي على أن نذهب إلى سويسرا لأنها أعلنت ترحيبها باللاجئين السياسيين في بلادها.
وفعلاً وصلنا إلى سويسرا ولكن السلطات هناك أبلغتهم بأن هنالك قائمة بأسماء اثنين وثلاثين شخصاً استثنيَ أصحابها من السماح لهم باللجوء، واسم المفتي معهم، لذلك لا يسعنا قبولكم في سويسرا. ولكننا على استعداد لنقلكم إلى أي مكان آخر. وبعد مشاورات قررنا الذهاب إلى فرنسا.
وهكذا كان. ووصلت القافلة إلى باريس حيث وضع الجميع في أحد السجون لبضع ساعات، ثم تم نقلهم إلى دائرة الأمن العام وقضوا ليلة في مكاتبها. ورأينا في ذلك المكان مجموعات من الفرنسيين المتعاونين مع الألمان وكانوا ينتظرون الحكم عليهم بالإعدام وقد سمحت السلطات لزوجاتهم وأمهاتهم بزيارتهم لوداعهم فكان عويل النساء وتحسر الرجال يملأ جو دائرة الأمن العام حزناً وألماً.
وفي اليوم التالي من الوصول إلى باريس الأحد 20/5/1945 حضر إلى مقر المفتي في مركز الأمن (المسيو ديغو) مدير القسم العدلي في الأمن العام ومساعده (المسيو بادن). وقال لهما المفتي بأنه وبما له من صفة دينية كونه رئيساً للمؤتمر الإسلامي العام ورئيساً للجنة العربية العليا فإنه يطلب السماح له بالانتقال من هذا المكان إلى منزل أو فندق، وأن يعامل المعاملة اللائقة فأجابه المسيو ديغو بأن الجنرال ديغول مهتم به ومن معه كل الاهتمام وستعاملون المعاملة اللائقة بكم وستغادرون هذا المكان اليوم، وسأله عمن يعرف في باريس فأجاب المفتي بأنه يعرف السفراء العرب والوزراء المفوضين، والسيد قدور بن غبريط ممثل حكومة المغرب.
وفي اليوم نفسه انتقل المفتي ومن معه إلى منزل على بعد 13 كيلو متر من باريس في ضاحية (سان مور – لافارين) على نهر المارن. ثم قرأنا في الصحف بأن بريطانيا تطالب بتسليمنا كونها الدولة المنتدبة على فلسطين وكذلك القيادة العليا للحلفاء بقيادة أيزنهاور. ولكن الحكومة الفرنسية وقفت موقفاً متحفظاً بحجة أن لها معنا حساباً طويلاً بسبب مساندتنا للثورة السورية 1936 ولأننا تعاونا مع الألمان في الحرب الأخيرة.