كتاب " الموقف والقرار " ، تأليف جورج سكاف ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
هذا الكتاب يختصر مرحلة هامة من تاريخ لبنان.
You are here
قراءة كتاب الموقف والقرار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الموقف والقرار
التوزير المفاجئ
في كتاباته أيام الحرب، نشرت فصولها تباعاً مجلة "الفصول اللبنانية" قوله: كانت الحرب المتنقلة قد هجّرتني من بيتي في شارع سامي الصلح إلى بيوت عديدة ومؤقتة، أبعد فأبعد، قبل أن تفتح طريق ميدانية إلى زحلة، من عيون السيمان، بعد دخول الجيش السوري. عندها انتهت عزلة زحلة بفتح طريق جديدة لم يألفها الزحليون من قبل، وقد اعتادوا سلوك طريق ضهر البيدر، أو طريق ضهور الشوير ـ المروج ـ عينطورة، أما الطريق الجديدة فتمر في عيون السيمان إلى حدث بعلبك وصولاً إلى منطقة زحلة، وهي طريق طويلة وغير آمنة كان يتحاشاها اللبنانيون لولا كثافة الوجود العسكري المستجد، ومؤهلة بمناظر بيوت من ركام في قرى دمّرت كلياً أثناء الحوادث في البقاع الشمالي، وبساتين مقطعة الاشجار، تبدو كمدن الاشباح. وهكذا استطاع بعض الزحليين من الوصول إلى زحلتهم بعد حرمان طويل، ومعاينة آثار الحصار الذي عزلها كلياً عن العالم الخارجي وعرضها لهجمات عسكرية متعددة وقصف مدفعي تناولها من جهات مختلفة، من البقاع ومن الجبل، فأضحت كجزيرة معزولة كلياً، عن محيطها الحيوي وبيئتها البشرية الطبيعية، فتكيّفت مع الظروف القاسية في الصمود والصراع من أجل الحياة، في غياب كلّي للدولة، وانعدام كل سبل الامداد والمساعدة من أبنائها وحلفائها خارج المدينة، فانتدبت لقيادة صمودها وتدبير شؤونها إدارة محلية، بقيادة روحية ومدنية موحدة، توزعت المهمات الإنسانية والعسكرية، بروحية عالية وعزة نفس أبية. فقام شبانها ببطولات جديرة بأن تكتب وتروى في مسلسلات موثقة، لتحفظ في ذاكرة المدينة الأبية، وفي صفحات مجيدة من تاريخ لبنان، تروي للأجيال الجديدة كيف كان الشبان يخترقون الحصار ويقطعون مسافات طويلة على الأقدام، متسلقين الصخور العاتية، ومتسللين في الأودية والأحراج في الليالي المظلمة والقارسة، تحت وابل من الرشقات النارية وتجنباً لرصاص القناصة... في مهمات دقيقة لإبلاغ رسائل شفوية إلى المراجع الوطنية والدولية ونقل المعونات الطبية والذخائر العسكرية إلى حراس المدينة وفرق الدفاع عن كل حي من أحيائها. والرسائل التي كان ينقلها الموفدون باسم المراجع الروحية الموحدة، إلى القيادات الوطنية في بيروت وضواحيها، تنقل فوراً إلى عواصم القرار العالمية، وبخاصة إلى الفاتيكان وباريس وواشنطن، فتفعل فعلها المدوي والمؤثر في اتخاذ المواقف الدولية تجاه الأزمة اللبنانية. وقد أبلغ الدكتور شارل مالك "الجبهة اللبنانية" أنه أثناء وجوده في نيويورك أدرك مدى تأثير الحصار الزحلي في المحافل الدولية، وأن قضية زحلة هي التي أيقظت الضمير العالمي وحركت الهمم في العمل لانقاذ لبنان، عندها أدرك العالم خطورة ما يجري في هذا البلد الصغير المعذب.
كنت من الذين أسرعوا إلى سلوك طريق عيون السيمان مع عائلتي الصغيرة إلى بيتنا العائلي في زحلة، وكنا منذ مدة طويلة منقطعين عن زحلة وأخبارها، حتى أني قد فقدت والدي في هذه الأثناء ولم أعرف بوفاته الا بعد عشرين يوماً، وبالتواتر، عن طريق أحد المقاتلين الزحليين الذي جاء سيراً عبر الأودية والغابات، في مهمة ميدانية لنجدة الرفاق المناضلين وراء خطوط الحصار الزحلي، وكان خبر خسارة والدي اكثر ايلاماً بين ما حمل من أخبار مؤلمة.